وفاء شدياق… مهنية تمشي على خيط الضوء بلا ضجيج
هناك أصوات تعبُر الأثير مرورًا، وأصوات تبقى فيه كعلامات فارقة.
وفاء شدياق من الأصوات التي لا تُقاس بعلوّها، بل بأثرها؛ ولا تُقاس بحجم حضورها، بل بنوعية حضورها. هي إعلامية اختارت أن تبني مسيرتها على ما هو أثبت من الصخب وأقوى من الضوضاء: الاحتراف، والاحترام، والهدوء الذكي.
منذ بداياتها عبر إذاعة لبنان الحرّ، كان واضحًا أن شدياق تحمل هوية مهنية خاصة بها. لا تستعرض، لا تلهث خلف الإثارة، ولا تستخدم الصوت كأداة للهيمنة، بل كجسر للتواصل.
ومع الوقت، تحوّلت إلى واحدة من الأصوات التي يثق بها المستمع، لأنها لا تقدّم له برنامجًا فحسب… بل تقدّم له مساحة نظيفة من الإعلام الحقيقي.
⸻
«نجوم الضهر»… ذاكرة فنية تُكتب بالصوت لا بالقول
برنامج «نجوم الضهر» ليس مجرّد مساحة فنية إذاعية، بل دفتر أرشيف تُعيد من خلاله وفاء شدياق صياغة الحكايات التي صنعت وجداننا الفني.
هي لا تُجري حوارًا؛
هي تفتح بابًا للذاكرة.
تُصغي بعمق، تُمهل ضيفها كي يستعيد لحظاته، وتلتقط التفاصيل التي لا ينتبه إليها إلا إعلاميون يعرفون قيمة الإصغاء. وفي كل حلقة، تمنح المستمع فرصة ليشعر أنه ليس مجرد مستمع، بل شريك في الحكاية.
وهذا ما جعل «نجوم الضهر» برنامجًا ثابتًا في الوجدان… برنامجًا يبقى لأن طريقة تقديمه تبقى.
⸻
«إعلام بلا جمرك»… وضوح إذاعي بلهجة محترمة
في «إعلام بلا جمرك»، تظهر طبقة أخرى من شخصية شدياق المهنية:
وضوح من دون استفزاز،
صراحة بلا قسوة،
ومقاربة فنية تُنقّب عن القيمة لا عن الضجيج.
البرنامج عنوانه جريء، لكن لغته نظيفة.
وفاء لا تستدرج ضيفًا إلى منطقة محرجة، ولا تطرح سؤالًا لأن وقعه مثير… بل لأن جوابه يهمّ المستمع.
وما يميّزها فعلًا أنها تحافظ على نبرة واحدة:
هادئة، ثابتة، واثقة…
نبرة تعرف أن الصوت المرتفع ليس دليلًا على القوة، وأن الاحترام هو أقوى أدوات الحوار.
⸻
إذاعية بنت مدرسة… وصوت يملك شخصية
ما بين «نجوم الضهر» و«إعلام بلا جمرك»، استطاعت وفاء شدياق أن ترسم خطّها المهني بوضوح.
هي إذاعية من مدرسة قديمة–حديثة:
مدرسة تؤمن بأن الكلمة مسؤولية،
وأن الحوار فن،
وأن الأصوات لا تُصنع بالتقنية وحدها، بل بالشخصية التي تحملها.
وحين تستمع إليها، تشعر أن صوتها ليس أداءً… بل اختيارًا: اختيار الهدوء على الضوضاء، العمق على السطحية، الحقيقة على الاستسهال.
⸻
الضوء الذي يعرف وجهته
وفاء شدياق لا تبحث عن الضوء…
هي تعرف أن الضوء الحقيقي يذهب وحده إلى صاحب الحضور المتقن.
وفي كل حلقة، في كل ضيف، في كل كلمة مدروسة، تبرهن أن الإعلام، حين يمارَس بالضمير، يصبح أجمل من الفن نفسه.
ليس لأنها الأعلى صوتًا، بل لأنها الأكثر صدقًا…
ولأن مهنيتها تمشي فعلًا على خيط الضوء بلا ضجيج.
الإعلامية مايا إبراهيم












