بقلم: الأستاذ الدكتور فراس الهناندة _ رئيس جامعة عجلون الوطنية
في زمنٍ تتسارع فيه التحديات، وتتشابك فيه المصالح، وتكثر فيه المخاطر، يظل الشباب هم السد المنيع والحصن المتين الذي تستند إليه الدولة وتطمئن به الأمة. ومن هنا، جاء القرار الملكي السامي بإعادة تفعيل برنامج خدمة العلم، ليؤكد أن القيادة الهاشمية الرشيدة ترى في شباب الأردن الطاقة المتجددة والقوة الحقيقية التي يجب أن تُصقل بالانضباط وتُشحذ بالمسؤولية وتُوجه نحو البناء.
إن خدمة العلم ليست مجرد تدريب عسكري، ولا فترة زمنية عابرة يقضيها الشاب في الثكنة، بل هي مدرسة للوطنية والانتماء، حيث يتعلم شبابنا قيم الانضباط والالتزام، ويتربون على معنى الرجولة الحقة، ويتذوقون طعم التضحية والعطاء. إنها فرصة لتكريس مفهوم أن خدمة الوطن ليست خيارًا، بل واجب مقدس، وأن الانتماء ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية تُترجم إلى عمل.
لقد كان الأردن – منذ تأسيسه – قلعة للرجال المخلصين الذين نشؤوا في مدرسة الجيش العربي المصطفوي، الجيش الذي حمل رايات الثورة العربية الكبرى، وحمى حدود الوطن، وصان كرامته، ووقف شامخًا في كل معركة دفاعًا عن الحق والعدل. واليوم، حين يلتحق شبابنا بخدمة العلم، فإنهم ينهلون من هذا الإرث العسكري المجيد، ويكتبون سطرًا جديدًا في كتاب الفداء والانتماء.
إن خدمة العلم تُعيد إلى شبابنا ما افتقدته الحياة المدنية السريعة من قيم: الانضباط في الوقت، الصبر على المشقة، التعاون مع الفريق، الثقة بالنفس، والإيمان بأن الجماعة أقوى من الفرد. وهي كذلك تصنع جسرًا متينًا يربط بين الشباب ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتفتح أمامهم أبوابًا واسعة للمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولا يخفى علينا أن هذا القرار الحكيم يأتي متناغمًا مع رؤية سمو ولي العهد، الذي جعل الشباب محورًا لكل مشروع وعمادًا لكل خطة. فإيمان القيادة الراسخ بأن الشباب هم الطاقة التي لا تنضب هو ما يدفع الدولة إلى الاستثمار فيهم، وتوفير السبل التي تجعلهم شركاء حقيقيين في حماية الوطن وصناعة مستقبله.
إننا في الجامعات، ونحن نعدّ أبناءنا للغد، نؤمن بأن خدمة العلم ستمنحهم ما لا تعطيه قاعات المحاضرات وحدها، فهي تصوغ الشخصية القوية، وتربي الإرادة الصلبة، وتُنمّي روح القيادة والمسؤولية. ومن هنا فإننا ندعم هذه المبادرة الوطنية بكل ما أوتينا من قوة، ونرى فيها خطوة نوعية نحو بناء جيل صلب، واعٍ، منتمٍ، ومحصن بالفكر والانضباط.
فليتقدم شبابنا إلى خدمة العلم بصدور عامرة بالإيمان، وليعلموا أن لحظة الاصطفاف تحت العلم ليست مجرد لحظة تدريب، بل هي لحظة قسم: قسم بأن يبقوا أوفياء لله، وللوطن، وللقيادة الهاشمية.
فخدمة العلم ليست بداية الطريق فحسب، بل هي وعد بأن يظل الأردن، بقيادته الهاشمية وشعبه العظيم، واحة أمن وعزة وكرامة.