بقلم المهندس رزق البلاونه الأمين العام الأسبق لحزب الشعلة الاردني
تشكل مدينة السلط بأحيائها القديمة وتلالها الثلاث (الجدعة، السلالم، العرقوب) نموذجاً حياً للمدينة الأردنية التي حملت على مدى عقود طويلة قيم التعايش والمحبة والتكافل الاجتماعي. وجاءت زيارة جلالة الملكة رانيا العبدالله الأخيرة للمدينة لتجسد هذه الرمزية، وتؤكد على أهمية استحضار التراث وتفعيله في الحاضر كجزء من الهوية الوطنية الأردنية. ساحة العين.. قلب السلط النابض بدأت جلالتها جولتها من ساحة العين، المركز التاريخي للمدينة، الذي كان في الماضي ملتقى الحارات ومورداً رئيسياً للحياة. وهنا يلتقي القديم بالجديد، فالساحة اليوم ليست مجرد معلم تاريخي، بل فضاء اجتماعي وثقافي يرمز لوحدة أهل السلط، ويعكس طبيعة الأردنيين في تلاقيهم حول ما يجمعهم. تمكين المرأة والحفاظ على التراث زيارة جلالتها إلى جمعية سيدات النهوض بالأسر الأردنية حملت رسالة دعم للمرأة الأردنية في دورها التنموي، حيث اطّلعت على برامج التدريب والتوعية والتمكين الاقتصادي، وهي مبادرات تعزز مكانة المرأة في مجتمعها وتفتح أمامها آفاقاً جديدة للمساهمة في بناء الوطن. أما في بيت خيرات السلط، فقد التقت جلالتها بمؤسسته ثائرة عربيات، لتشاهد كيف يمكن للحِرف التقليدية مثل تهديب الشماغ أن تتحول إلى مشاريع اقتصادية مستدامة، تحفظ التراث من جهة وتفتح أبواب العمل والإبداع أمام الشباب والنساء من جهة أخرى. البيوت التراثية كجسور للمستقبل في زيارتها إلى مقهى الأكثم ، الكائن في أحد البيوت التراثية بحارة الجدعة، بدت الملكة وكأنها تعيد الحياة لذاكرة السلط القديمة. فهذه البيوت، التي بُنيت من الحجارة الصفراء العثمانية، كانت عبر التاريخ فضاءات للضيافة والمجالس والتآخي. واليوم تعود من جديد كمراكز للمشاريع الريادية والسياحة الداخلية، تؤكد أن الماضي ليس مجرد حكاية، بل أساس متين لمستقبل أفضل. رسالة من قلب السلط وعلى حسابها في إنستغرام، عبّرت جلالتها عن مشاعرها قائلة: “اليوم من قلب السلط… طيبة أهلها وعراقة تراثها في كل زاوية من زواياها.” هذه الكلمات لم تكن مجرد وصف، بل تلخيصاً لجوهر الزيارة؛ فالسلط برمزيتها تعكس صورة الأردن الأصيل: مدينة عريقة، أهلها طيبون، وتراثها شاهد على قيم المحبة والتسامح. تعزيز السياحة الداخلية والهوية الوطنية من خلال هذه الزيارة، تسلط الملكة الضوء على أهمية السياحة الداخلية كرافعة اقتصادية وثقافية. فالمدن الأردنية بما تحمله من تاريخ ومعالم يمكن أن تكون وجهات نابضة بالحياة، تعزز ارتباط الأردنيين بأرضهم وتدعم المجتمع المحلي اقتصادياً. إن زيارة جلالة الملكة رانيا للسلط لم تكن مجرد جولة بروتوكولية، بل رسالة عميقة في معناها: دعوة للتمسك بالقيم الأردنية الأصيلة، وإحياء الحارات القديمة كذاكرة حيّة، وتفعيل التراث كجسر للتنمية المستدامة والسياحة الداخلية. السلط بهذا المعنى لم تكن محطة عابرة، بل نموذجاً يُحتذى في مدن الأردن كافة