اعادت المواجهة المسلحة التي حدثت بين قوات الامن العراقية ، وافراد من حزب الله المرتبط بالحشد الشعبي، الى الواجهة موضوع (نزع السلاح) من الاطراف التي تملكه خارج اطار الدولة، وهو الامر الذي يتزامن مع دعوات محلية واقليمية ودولية لنزع سلاح حزب الله في لبنان.
وجاءت تلك المواجهة، لتعزز فكرة (نزع السلاح) وتعطيها مبررا وزخما – سياسيا واعلاميا – داخليا وخارجيا، بعد ان كانت الفكرة تُدرس وتُحلل في اروقة ودوائر صنع القرار في اكثر من عاصمة، خاصة بعد تزايد قصف (المُسيرات المجهولة) لحقول النفط في شمال العراق، التي تديرها شركات امريكية وغربية، اضطر بعضها للرحيل وجمًد بعضها الآخر نشاطاته.
ويجب ان لا يغيب عن بالنا، ان موضوع نزع سلاح الحشد الشعبي، والفصائل المسلحة العراقية ، هو هدف قديم وليس جديدا ، للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ، كون هذه القوات تُعتبر عمليا ، جزءا من الاذرع الايرانية في المنطقة التي يجب بترها (ان عاجلا او اجلا) في اطار الحرب المستمرة على ايران.
وفي هذا السياق، لا يتوقف هذا الامر على موضوع (بتر الذراع) فقط، بل هو من وجهة نظر الكثير من الدول ومنها (دول عربية) يعتبر مقدمة لانهاء النفوذ الايراني في العراق، الذي يستمد قوته من ( سطوة ) الحشد والفصائل على القرار السياسي في بغداد ، والسيطرة الميدانية العسكرية ، على مساحات واسعة من الجغرافيا العراقية.
لكن واقع الحال في العراق اليوم يؤكد ان هذه المهمة ليست بالسهولة التي يتوقعها الراغبون بانجازها، وذلك لعدة اسباب اهمها ، ان الحشد الشعبي اصبح من حيث العدد جيشا جرارا ، حيث ارتفع عدد عناصره من ١٢٢ ألفًا إلى ٢٣٨ ألفًا، وزادت مخصصاته المالية من ٢،١٦ مليار دولار عام ٢٠٢٢ إلى ٣،٤ مليار دولار في موازنة العام الماضي.
ويتمثل ثاني تلك الاسباب بان الحشد الشعبي أصبح جزءاً من المنظومة الأمنية الرسمية بعد دمجه في القوات المسلحة العراقية بقرار من الحكومة عام ٢٠١٦ مما أعطاه شرعية قانونية.
وثالث تلك الاسباب ، هو ان للحشد الشعبي قوة سياسية كبيرة عبر تحالف (الإطار التنسيقي) وغيره من الكتل الشيعية التي تشارك في الحكومة والبرلمان، ورابعها ان محاولة نزع سلاح الحشد قد تؤدي إلى صراع داخلي، أو فراغ أمني، خاصة في المناطق التي يسيطر فيها على الأرض أو يواجه تهديدات مفترضة من قِبل تنظيم داعش.
ولذلك، فان الامر المتاح حاليا، بناء على هذه المعطيات، هو ان يتم الاحتفاظ بالحشد كجزء من القوات الرسمية، مع تعزيز الضبط المؤسسي، والتركيز على تقليص دور الفصائل غير المنضبطة،وهذا الاحتمال هو الاقرب للواقع ، اذ انه يرضي القوى السياسية الشيعية ، ويُطمئن – جزئيا – الاطراف الخارجية.
وفي حال انتجت الانتخابات العراقية القادمة بعد اشهر ، واقعا سياسيا مختلفا ، او طرأ امر جديد اثًرً فعليا على ميزان القوى الاقليمي ، فمن الممكن ان يتم اضعاف الحشد الشعبي على مراحل، من خلال التقاعد المبكر لعناصره ، أو نقل المقاتلين إلى وزارات ومؤسسات مدنية أخرى، تجنبا لمحاولة فرض نزع السلاح بالقوة، الذي قد يؤدي إلى صدامات مسلحة داخل العراق، وارتدادات أمنية وانسانية ،قد تطال دول الجوار.
واذا ما تطلبت المرحلة ، وتطورات الاوضاع في الاقليم ، ضرورة الانتهاء من هذا الملف الشائك باعتباره ( خطوة حتمية لا بد منها ، رغم تداعياتها الامنية الكبيرة ) فمن المتوقع ان يتم مواجهة الحشد والفصائل المسلحة بداية، من خلال تنظيمات جهادية تأخذ من مناطق الصحراء والحدود السورية – العراقية مقرا ومنطلقا لنشاطاتها، وبما يفتح الباب على مصراعيه لمواجهة سُنيًة – شيعية ، تعيد في نهاية المطاف ، رسم موازين القوى في العراق ، بحيث يتم انتاج حالة من التوازن بين السُنة والشيعة كي لا تطغى طائفة على اخرى.
وفيما يخص نزع سلاح حزب الله ، فمن الواضح انه سيتم استبعاد فكرة ان يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة ، ولذلك من المتوقع ان نشهد خلال الفترة القادمة الاعلان عن تشكيل تنظيمات جهادية سُنية جديدة ، في لبنان، ستكون مهمتها الرئيسية محاربة حزب الله، وإنهاكه داخليا ، مع حصولها على ( مَدَد ) من الشام ، فيما تستمر اسرائيل بمهمة القيام بالعمليات النوعية ضده.
وعلى الارجح، فان الضبابية التي تمارسها الولايات المتحدة الاميركية ، حيال ملف نزع السلاح في كل من لبنان والعراق، والايحاء احيانا بانها غير مهتمة ، وان الموضوع شأن داخلي ، هي خطة محكمة تهدف الى دفع حزب الله والحشد الشعبي ، الى مزيد من التشدد في مواقفهما ، تمهيدا لتوريطهما ، كما ورطت واشنطن العراق باحتلال الكويت، عندما اوحت له ان الامر لا يعنيها و (اوقعته في الفخ).
*theeb100@yahoo.com