د. محمد كامل القرعان
يشكل الإعلام الوطني ركيزة أساسية في مسار التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، ويستمد أهميته من قدرته على تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ قيم الانتماء، والاصطفاف خلف المشروع الوطني، خاصة في ظل ما يواجهه الأردن من تحديات داخلية وخارجية.
إن النهوض بالإعلام الوطني يتطلب إستراتيجية شمولية تقوم على تطوير البنية التكنولوجية، وبناء منصات إعلامية تفاعلية تتناسب مع متغيرات العصر الرقمي، وتستهدف الجمهور بفاعلية ومهنية، إلى جانب تفعيل الدور التنموي للإعلام في تلبية حاجات المواطن من المعلومة، والتثقيف، والترفيه، بما ينسجم مع القيم الوطنية والمجتمعية.
ورغم أن الإعلام يمتلك أدوات هائلة في تشكيل الرأي العام، إلا أن التحدي يكمن في مدى قدرة هذا الإعلام على ترسيخ مكونات الهوية الوطنية في ظل سيولة إعلامية وتقنية وقيمية متسارعة، تفرض واقعاً جديداً يصعب ضبطه دون مشروع إعلامي متكامل وموجه. إن الكثير من الخطاب الإعلامي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي المؤقت، ويبتعد عن الالتزام بتوجه استراتيجي مستدام يدعم الهوية ويخدم الدولة.
وفي هذا السياق، يصبح من الضروري تطوير خطاب إعلامي جديد يتسم بالمصداقية والمهنية، خاصة في فترات الأزمات والتقلبات السياسية والاجتماعية، ليكون أداة فاعلة في تقليص فجوات الخلاف بين مكونات المجتمع، وتعزيز اللحمة الوطنية.
ولطالما وجّه جلالة الملك عبد الله الثاني الحكومات المتعاقبة إلى ضرورة بناء إعلام وطني يرتقي إلى مستوى الطموحات الوطنية، ويكون قادرًا على مواجهة التحديات والمتغيرات المتسارعة، إعلام مهني رصين، متماسك بأركانه القيادية والصحفية والفنية، يمتلك أدواته بوعي واقتدار، ويسعى بجدارة إلى ترسيخ حضوره في الرأي العام المحلي والدولي.
فالتحديث في الإعلام ليس ترفًا، بل ضرورة مستمرة، إذ أن لكل مرحلة أدواتها، ولكل تحدٍ وسائله، ولا يمكن للمشهد الإعلامي أن يواكب العصر ويؤثر فيه ما لم يجدد أدواته ويعزز قدراته باستمرار.
إن الأردن، في هذه المرحلة الدقيقة، بأمسّ الحاجة إلى إطلاق إستراتيجية إعلامية وطنية واضحة، تؤطر عمل المؤسسات الإعلامية وتوحد خطابها نحو دعم المشروع الوطني، ومواجهة الأدوات ذاتية المصالح التي قد تسهم، عن قصد أو دون قصد، في تشويه الإنجاز الوطني أو إرباك المشهد العام.
كما أن على الإعلام الوطني أن يكون في طليعة مواجهة التحديات، من خلال تسليط الضوء على المشروعات الوطنية والتنموية، وتعزيز وعي المواطن بأثرها المستقبلي، والعمل على تصحيح الصورة الذهنية داخلياً وخارجياً، والرد بالحجة والمعلومة على كل حملات التشويه التي تطال الأردن ودوره الإقليمي والدولي.
ويتطلب هذا التحول تعاوناً جاداً بين مختلف الجهات الرسمية والإعلامية والمجتمعية، لضبط المشهد الإعلامي وتنظيمه وفق أكواد مهنية وأخلاقية تضمن احترام الرأي الآخر، وتقديم محتوى رصين يليق بالمواطن الأردني، ويساهم في رفع منسوب الوعي الوطني الجمعي.
ولا شك أن الإعلام هو خط الدفاع الأول عن الأمن الوطني، وسلاح الدولة في مواجهة حملات التضليل والتشويه، ودرعها في معركة الوعي. كما أنه مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة كشف المخططات التي تستهدف استقرار الأردن، وتفكيك وحدته، وبفضح الأجندات التخريبية التي لطالما ارتبطت بجماعات متطرفة وتنظيمات مشبوهة.
إن المرحلة المقبلة تتطلب إعلاماً وطنياً فاعلاً، مهنياً، ومؤثراً، قادراً على ترتيب الأولويات الوطنية، ومواجهة القضايا الكبرى، بدلاً من الانشغال بالسطحي والهامشي، وتقديم النموذج الأردني كقصة نجاح عربية تستحق التقدير والدعم.
وفي الختام، فإن ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة يعيد التأكيد على أن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للأحداث، بل أصبح أداة سيادية بامتياز، تمثل سلاح الدولة الفاعل وصوتها المدافع عن وجودها ومكانتها.