(بترا) بشرى نيروخ- تصادف غدا الخميس واحدة من أعظم المحطات التاريخية المفصلية حيث الهجرة النبوية من مكة المكرمة الى المدينة المنورة في رحلة تجسد الوعد القرآني بأن بعد العسر يسرا وأن الظلم والاضطهاد زائل لا محالة وهو ما تحقق من خلال تأسيس مجتمع قائم على العدالة والاحترام المتبادل والتلاحم الاجتماعي والسياسي أسس لهوية الأمة، ونهضتها.
وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر لبناء مجتمع إسلامي يتفوق بمبادئه على الأمم الأخرى فكان له ما أراد، وكانت المدينة مركزا لإشعاع حضاري عالمي نقل المسلمون من خلاله حضارة عالمية شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
وأشار الخلايلة الى أن الهجرة النبوية كانت حدثا مهما في تأريخ المسلمين، فحيثما قلّب المسلم بصره في تفاصيلها وجد فيها عبرا، واستنطق منها حكما، مشيرا الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية بعد أن لقي من الأذى والضيق والبلاء ما لا تتحمله الجبال الرواسي، وفقد النصير من أهله وأقربائه كأبي طالب وخديجة رضي الله تعالى عنها، وأمره الله تعالى حينئذ بالصبر والاحتساب.
وقال، إن من دروس الهجرة النبوية التخطيط الفعال في كل أمر من أمور الحياة وشأن من شؤونها، فالحياة تدار بتخطيط دقيق، وقواعد متزنة، وأسس ثابتة، ينهض عليها المجتمع القوي، فلا ارتجال ولا تخبط ولا عشوائية.
وأضاف، في الهجرة النبوية وضع النبي صلى الله عليه وسلم خطة محكمة راعت عظائم الأمور وصغائرها، فاختار الصاحب في السفر واختار من يأتي بأخبار أهل مكة ليعلمنا فن إدارة الحياة بكل نواحيها.
ففي الهجرة النبوية، يقول الخلايلة، تتجلى قيم إنسانية، ومعالم دينية، ترشد إلى الخير، وتدعو إلى الصلاح،
وركز الخلايلة على أن ارتقاء المسلمين في مجتمع المدينة، إلى مراتب العز والكرامة، لم يكن ليحدث لولا إرساء الألفة بينهم وتآخي الأرواح وتقارب القلوب، ونبذ الفرقة والشقاق، مشيرا الى أن الهجرة النبوية الشريفة شاهدة على أن التعاون بين أبناء المجتمع الواحد، هو السبيل إلى الرقي والمجد، وأن التعاضد والتكاتف طريق إلى السؤدد، وأن المجتمعات والأوطان تبنى بسواعد أبنائها، وتضافر جهودهم، وتلاحم صفوفهم.
سماحة مفتي عام المملكة الدكتور أحمد الحسنات، قال إن الهجرة النبوية محط أنظار لكل من عزم على الخير، ونشر الأمن، وحفظ الوطن، وبث روح الأمل والتفاؤل، وصدق في التوكل والتخطيط والتدبير، وبث الرحمة والألفة والمودة.
وأشار إلى أن في الهجرة دروسا في الصبر والتضحية وعدم الاستسلام أمام الطموح العالي وحرية الإنسان،
حيث جاء الفرج بعد أن عانى المسلمون أعواماً عديدة صابرين على الأذى، مُحتملين قساوة العيش، بين قومٍ حُجبت قلوبهم عن أنوار الهداية، وغشيت عيونهم عن رؤية الحق الأبلج فلقي المسلمون على مدار ثلاثة عشر عاماً من العذاب الجسدي والنفسي، والحصار الاقتصادي، ما دفعهم إلى ترك تلك الديار، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يردد: “مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ”.
وقال: شاءت حكمة الله تعالى أن تكون المدينة المنورة هي الأرض الخصبة لبناء الإيمان والإنسان، ثم العودة لاستكمال مسيرة البناء، وبين مكة المكرمة، والمدينة المنورة، كانت رحلة الهجرة المباركة، التي جاءت بأحداثها العظيمة لتحيي في قلوب المؤمنين الأمل، وتزرع في نفوس اليائسين الرجاء، وتداوي جروح المُعذبين في شعاب مكة المكرمة، ولتعلّم الأمة إلى يوم القيامة أن الأمل معقود على وعد الله عزّ وجل، وأن ثقة المؤمن بربه راسخةٌ، بأنه سيحقق وعده وينصر عباده.
وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على زرع ثقافة الاستبشار والأمل بين الصحابة حتى في أحلك الظروف وأقساها، فبينما كان النبي وصاحبه ابو بكر يدخلان غار ثور، ورماح الأعداء تحيطهم، وسيوفهم ترصدهم، حين قال ابو بكر للنبي “لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا”، فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلّا أن قال له: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهم”، هناك تجلّت نصرة الله تعالى لنبيه الكريم، وحسن التوكل على الله، وحسن الظنّ به.
وأضاف: إن نشر ثقافة التفاؤل في ساعات القلق والمحن أمر مطلوب شرعاً، بل هو منهج الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذي دلنا عليه الله تعالى في القرآن الكريم، فالمسلم يحرص على نشر جو التفاؤل في مجتمعه، حتى في أحلك الظروف وأشدها، ولا ينمي شعور الإحباط والتشاؤم في مجتمعه، ويبقى طوحا في بناء وطنه ورجاء رفعته.
وقال:”لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة في ظاهرها خروجاً من الديارِ ومفارقةً للأهل، وتركاً للأموال، وغربةً عن الأوطان، ولكن باطنها كان رحمةً تستقبلهم على مشارف المدينة المنورة، ومنحةً تأتيهم بعد محنة، وإخوة ينتظرونهم، وانتقالاً من مرحلة الفرقة إلى مرحلة الوحدة”.
وأشار إلى أن بناء الوطن يحتاج إلى قلوب مؤمنة تحتضنه، ورجال تفديه وتنصره، وتضحيات يؤثر بها الإنسان على نفسه، وإخلاص في الجهد والعمل لبناء أركانه، وقد ضرب الصحابة من المهاجرين والأنصار أروع الأمثلة في الوقوف صفاً واحداً متآخين متحابين.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية الشريعة في جامعة آل البيت الدكتور عماد عبد الكريم خصاونة قال: إن الهجرة النبوية شكلت تحولاً تاريخياً في مسيرة الدعوة الإسلامية، إذ انتقل فيها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، حاملاً معه رسالة السلام، والعدل، والتسامح فكانت درساً في الصبر والتخطيط والأمل، وبداية لبناء مجتمع يقوم على المحبة والوحدة والتآخي.
