الهاشمية تحتضن كنزًا بيئيًا
سلالات “المهراس الرومي” المعمرة تروي تاريخ الزيتون في المتوسط
إعداد: نادية العنانزه
في قلب بلدة الهاشمية بمحافظة عجلون، وتحديدًا في منطقة الميسر، تقف أشجار “المهراس الرومي” المعمرة شاهدة على إرث طبيعي عريق، يروي تاريخًا ضاربًا في عمق حوض البحر الأبيض المتوسط.
فقد كشفت دراسات حديثة أن هذه الأشجار تمثل واحدة من أقدم السلالات الجينية للزيتون في المنطقة، ما يجعلها ثروة وطنية تستحق الحماية والتوثيق.
وبشموخٍ تقف زيتونة المهراس لتبوح باسرارها وروعتها وجودة مذاقها اضافة الى غنى عناصرها وضخامة حجمها وسلالتها التي تعد اصل السلالات الجينية للزيتون ومركزية نشوئه عبر العصور .
أصل الزيتون وتاريخه الجيني في الميسر
وأكد الدكتور نزار حداد، المدير العام السابق للمركز الوطني للبحوث الزراعية، أن التحاليل الجينية أثبتت أن زيتون “المهراس” هو الأقرب لأن يكون الأصل الجيني لشجرة الزيتون، مشيرًا إلى غناه الوراثي وقدرته العالية على التكيف مع التغيرات المناخية والظروف البيئية القاسية، إلى جانب نوعية الزيت الممتازة الذي تنتجه ثماره.
وأضاف حداد أن التحاليل النيكليوتيدية أظهرت وجود أكثر من 15 مليون طفرة وراثية في أشجار الزيتون، نصف مليون منها في مناطق جينية مؤثرة، ما يعكس تاريخًا تطوريًا طويلًا ومعقدًا، ويؤكد فرادة “المهراس” على المستوى الجزيئي.
زيت بنسبة عالية وتميّز في الجودة
وتتراوح نسبة الزيت في ثمار زيتون “المهراس” بين 25% إلى 30%، وهي من أعلى النسب المسجلة في الأردن، متفوقة على أصناف معروفة مثل “النبالي”، ما يمنحه ميزة اقتصادية إلى جانب قيمته البيئية.
الطلب التجاري والتهديد بالاقتلاع
يشير مختصون إلى أن هذا النوع من الأشجار يشهد إقبالًا متزايدًا من أصحاب المشاتل والمتاجرين، حيث تُباع الشجرة الواحدة بأسعار تتراوح بين 500 إلى 2000 دينار، في حين تُباع نظيراتها المستوردة بأسعار أعلى قد تصل إلى 7000 دينار، لكن قرار وزارة الزراعة بوقف الاستيراد بسبب وجود آفات حجرية في الدول المصدّرة، زاد من الطلب على “المهراس” المحلي.
تشريعات لحماية الأشجار المعمرة
من جهته، أوضح مدير الحراج في وزارة الزراعة، المهندس خالد القضاه، أن هناك تعليمات تنظم عملية اقتلاع أشجار الزيتون المعمرة، بناءً على قانون حماية هذه الأشجار، ولا يتم السماح بذلك إلا لأسباب محددة مثل فتح طرق أو إنشاء مرافق عامة. وفي الحالات التي يُصرح بها بنقل الأشجار، تُزرع في المتنزهات العامة أو أراضي البلديات، وتُتابع حالتها من قبل الوزارة، أو تُباع لمشاتل مرخصة وفق إجراءات رسمية.
الميسر… موطن المهراس
الباحث محمود الشريدة أشار إلى أن منطقة الميسر الواقعة في الجهة الشمالية من بلدة الهاشمية، تعتبر من أكبر مناطق انتشار زيتون المهراس، بالإضافة إلى وجودها في أماكن مثل “الشلا”، “وادي أبو الحبل”، “وادي التون”، “مصقاع الحريق”، “القطاطين”، “الحباصية”، و”عبريثا”، وغيرها من المواقع التي لا تزال تحتضن هذه الأشجار المعمّرة.
وأوضح الشريدة أن الدراسات تُرجّح أن أصول الزيتون المنتشر في إسبانيا وإيطاليا تعود إلى سلالات شبيهة بـ”المهراس”، ما يعزز من الفرضية التي تقول إن هذه المنطقة قد تكون مهدًا أصليًا للزيتون في المتوسط.
دعوة للحماية والاستثمار العلمي
ما تحتضنه بلدة الهاشمية ليس مجرد أشجار زيتون معمّرة، بل إرث وراثي نادر ينبغي الحفاظ عليه، وتوثيقه، واستثماره علميًا وزراعيًا وسياحيًا. “المهراس” ليس فقط شجرة، بل سلالة حية من تاريخ الأرض، ومصدر زيت فاخر يحمل نكهة التقاليد وعبق العصور.
نشر في 15/11/2024