في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تتجدد الحاجة إلى طرح سؤال جوهري: ما موقع الصحافة في مشروع الدولة؟ وهل تُعدّ الحرية الصحفية تهديدا أم شريكاً في بناء المجتمعات؟
في الأردن، كما في غيره من البلدان التي تسير في طريق الإصلاح، لا يمكن لأي مشروع تنموي أو سياسي أن يكتمل دون إعلام حرّ، ومسؤول، ومهني، يدعم الدولة ويقف معها، لا في خندق العداء، بل في موقع النقد البنّاء، والمساءلة المسؤولة.
ولكن لا مندوحة من القول إن الصحافة الأردنية تواجه تحديات لا تتعلق فقط بالحرية، بل بالتشريعات التي تُنظّم عملها وتحدّ منه في كثير من الأحيان؛ فلدينا أكثر من قانون يتقاطع مع حرية النشر: قانون المطبوعات والنشر، قانون الجرائم الإلكترونية، قانون العقوبات، بل وأحياناً قوانين أخرى تُستخدم لملاحقة الصحفيين، ما يخلق بيئة قانونية ضبابية، ويضع سقفاً منخفضاً للحرية.
لم تعد هذه القوانين قادرة على مواكبة التحوّل الهائل في طبيعة العمل الإعلامي، خاصة في ظل تصاعد الصحافة الرقمية، وتنامي دور المنصات الاجتماعية كمصدر أول للمعلومة، ولذلك فإن مراجعة هذه المنظومة القانونية لم تعد ترفاً، بل ضرورة وطنية تضمن حرية الرأي والتعبير وتحميها دون أن تفتح الباب للفوضى الإعلامية.
ومع انتخاب مجلس جديد لنقابة الصحفيين الأردنيين، تتجدد الآمال في تفعيل دور النقابة كمظلة حقيقية تحمي جميع الصحفيين، بمن فيهم العاملون في الفضاء الرقمي، الذين لا يشملهم القانون حالياً رغم أنهم في صلب المشهد الإعلامي، كما أن النقابة مدعوة اليوم للانخراط في حوار وطني جاد حول البيئة التشريعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين، الذين يعاني كثير منهم من ضعف الأجور وغياب الأمان الوظيفي.
كما أن الحرية الصحفية ليست صكاً على بياض، بل مسؤولية ترتبط بالمهنية والأخلاقيات الصحفية؛ فالخطر الحقيقي ليس في الصحافة الناقدة، بل في الصحافة التي تتحول إلى أداة لبث الشائعات وخطاب الكراهية، أو تلك التي تُمارس التشهير بدلًا من النقد، وهنا تبرز أهمية التدريب والتطوير، لضمان أن تكون الصحافة الرقمية، كما التقليدية، جزءا من مشروع الارتقاء بالوعي العام، وليس العكس.
تنص المادة 15 من الدستور الأردني بوضوح على أن “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يُعبر بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير”، وهي مادة لو فُعّلت بنصّها وروحها، لكان الأردن في طليعة الدول العربية في مجال حرية الإعلام؛ فالصحافة الحرة لا تقف ضد الدولة، بل هي مع الدولة، حين تكون الدولة مع الحريات، ومع الحقيقة، ومع بناء الإنسان الواعي.
كما أن الإعلام الحر لا يُضعف هيبة الدولة، بل يُعزّز مكانتها حين يكشف الخلل، ويُضيء على النجاح، ويمنح المواطن حق المعرفة، لذا فصحافة بلا حرية لا تبني دولة، ودولة بلا صحافة حرة لا تبني مستقبلاً.

الصحافة الحرة مع الدولة لا ضدها
د. أشرف الراعي