الدكتور حسام العتوم يكتب :
روسيا الاتحادية – دولة عظمى و ذكية و قطب عملاق ، تملك قيادة رزينة يتقدمها الرئيس فلاديمير بوتين ، ويساعده يوري أوشاكوف كبير مستشاريه ، ووزير خارجيته القدير المخضرم سيرجي لافروف ، ووزير دفاعه أندريه بيلوسوف ، ولقد انشغلت أكثر بملف الحرب الأوكرانية منذ مراقبتها للأزمة الأوكرانية من وسط الثورات البرتقالية التي قادها التيار البنديري المتطرف ، و طورها إلى انقلاب في العاصمة ” كييف ” عام 2014 ، و بالتعاون مع الغرب ،وهو الذي رصدته روسيا مبكرا و ارتكزت عليه في مسارها السياسي اليوم . و صبرت روسيا بداية ثماني سنوات على نظام أوكرانيا المتطرف بقيادة بيترو باراشينكا ، و ثم فلاديمير زيلينسكي – الفنان الكوميدي صاحب مسرحية ( خادم الشعب ) التي حولها في عالم السياسة عندما وصل للحكم عام 2019 إلى خادم للغرب ، و هو الذي يحصل في أيامنا هذه . و كانت روسيا على الدوام صاحبة مشروع سلام مع جارة التاريخ أوكرانيا – الشقيقة الجنوبية في عهد الاتحاد السوفيتي ، عبر الحوار المباشر و اتفاقية ” مينسك ” عام 2015 التي اشتركت فيها روسيا ، و بيلاروسيا ، و فرنسا و ألمانيا ،في زمن كانت العلاقات الروسية الغربية فيه سمن على عسل . و عبر حوار ” أنقرة ” ، واجهته ” كييف ” بالتخابرسياسيا و لوجستيا مبكرا مع بريطانيا – باريس جونسون ، و أمريكا – جو بايدن ، و هما من شجعا على استبدال السلام بالذهاب لحرب مع المكون الأوكراني و الروسي شرق و جنوب روسيا راح ضحيتها أكثر من 14 الف مواطن و شرد غيرهم ، و تم امتهان اغتيال الصحفيين الروس ، ونشر المراكز البيولوجية الضارة في زمن كورونا تحت اشراف هانتر – جو بايدن الأبن ، و العين البريطانية و الأمريكية امتدت لاستنزاف روسيا و على ديمومة الحرب الباردة ، و سباق التسلح . وواصلوا
التطاول على جسر القرم ، و على خط الغاز ” نورد ستريم 2 ” ،و التخطيط لصناعة قنبلة نووية وأخرى صغيرة قذرة.وكل ذلك جرى من زاوية خطاب الكراهية لروسيا وعشق الالتصاق بالغرب الماكر لروسيا و الداعي لتوسيع دائرة الحرب الباردة و سباق التسلح و ليس الحرص على سيادة أوكرانيا أكيد .وقابل الشرق و الجنوب حراك نظام ” كييف ” السلبي المشبوه بتحريك صناديق الاقتراع التي صوتت لصالح الانضمام لروسيا ، و رفض الاعتراف به . وفي عام 2022 طورت روسيا عملها بتحريك عمليتها العسكرية الإستباقية ، الدفاعية ، التحريرية ، و تمكنت فعلا لا قولا فقط من تحرير حوالي 25% من الأراضي الأوكرانية – الروسية الأصل ، وهي من تطلق على كافة أوكرانيا مصطلحها التاريخي ” روسيا الصغيرة ” التي صنعها فلاديمير لينين ، و جوزيف ستالين ، و نيكيتا خرتشوف . فتم تحرير( القرم ، و الدونباس – لوغانسك و دونيتسك ، و زاباروجا و خيرسون ) .
وحاليا أعلن قائد الجيش الروسي الميداني الجنرال فاليري غيراسيموف بحضور الرئيس بوتين تحرير كامل منطقة ” كورسك ” في الجنوب ، و الذي أكده بوتين ، وهي المنطقة التي كان الجانب الأوكراني الغربي يتغنى بالسيطرة عليها ، فمني وسطها بهزيمة ساحقة و بمساعدة علنية مباشرة من قوة من جيش كوريا الشمالية ، ردا على اسناد 50 دولة غربية لنظام ” كييف ” بسبب عدم استيعابهم للقانون الدولي الذي ارتكزت عليه روسيا في حراكها العسكري من وسط مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تسمح بالدفاع عن السيادة حالة وقوع عدوان خارجي ، وعلى اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991 المانعة للتحالف مع أحلاف عسكرية معادية مثل ” الناتو ” . و يدعي الرئيس فلاديمير زيلينسكي كلما فاق من النوم بأن جيشه لازال يسيطر على أطراف مدينة ” بيلغاراد ” الروسية جنوبا ،و بأنه يحلم بعودة القرم لغرب أوكرانيا ، و هو محض خديعة و سراب . و كأنه لا يعرف بأنه يحارب دولة عظمى و جيشا روسيا جرارا ، و هو الذي يذكره به مرارا و تكرارا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
و الأهم هنا ، هو تمكن الجانب الروسي السياسي على مستوى وزارة الخارجية ، وعلى مستوى الخبراء ، و على مستوى لقاءات موسكو مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ، و التي كان من بينها لقاء و يتكوف – بوتين مؤخرا 25 نيسان في الكرملين ، من اقناع الجانب الأمريكي ،و الرئيس ترامب بالذات بأن روسيا محقة في حربها الدفاعية التي لم تهدف يوما لاحتلال أوكرانيا ، و إنما لتحريرها من النازية الجديدة ، أو التطرف الجديد إن صح التعبير .
لقد اعتقد زيلينسكي الذي غرر به الغرب الأمريكي في عهد جو بايدن ، بأن حربه و الغرب ضد ( العدوان ) الروسي – حسب تصريحه الدائم – سيكون مجانيا ، و هو الذي دفع الغرب إلى جانب أمريكا ما قيمته 350 مليار دولارمن أجلها . و جاء الرئيس ترامب الذي قلب طاولة الحرب التي استمرت ثلاث سنوات ليطالب بتعويض بلاده الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب بمبلغ يصل إلى 500 مليار دولار مع الفوائد وعلى شكل مصادر طبيعية نادرة ثمينة ، وهو ما أدهش زيلينسكي الذي يتجول في الغرب من دون بدلة رسمية و بمنظر فيسيولوجي لا يليق برئيس دولة ” كييف ” و غرب أوكرانيا ، وهو ما لاحظه الصحفيون الأميركان في البيت الأبيض .
بطبيعة الحال الحرب الأوكرانية أبعدت أنظار العالم عن القضية الفلسطينية العادلة، و اختلف المجتمع الدولي على أحقية السابع من أكتوبر 2023 ، البطولي من جانب المقاومة العربية و الشعوب العربية بسبب تذكيره بالقضية الفلسطينية ،و استنهاضه لها ، وهي التي كاد أن يسدل عليها الستار ، و المنتقد و المدان من طرف أنظمة العالم السياسية ، و هو الحدث الذي قابله الكيان النازي الإسرائيلي بإرتكاب جريمة حرب بشرية بشعة لازالت سارية المفعول راح ضحيتها أكثر من 50 ألفا من مواطني غزة و الضفة و جنوب لبنان و اليمن،وغيرهم تحت الركام ، جلهم من الأطفال و النساء و الرجال ، و قادة الفصائل .
ومثلما حظيت روسيا بقدوم الرئيس الأمريكي ترامب الذي أنصفها في حربها الدفاعية ، يحتاج العرب إلى الأمام لقدوم رئيس أمريكي مختلف ينصف القضية الفلسطينية ، و ينتصر لها ،و يعمل على تطبيق القانون الدولي حولها عبر القرارين 242 و 181 ، و تمشيا مع قرار قمة العرب في بيروت عام 2002 الذي أعلن عنه الأمير / الملك عبدالله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين – أمير و ملك المملكة العربية السعودية بإعلانه السلام الشامل مقابل الإنسحاب الإسرائيلي الشامل من حدود الرابع من حزيران لعام 1967 .و لا حلول جذرية تقبل من دون اقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس ، في زمن تطالب فيه الشعوب العربية بكامل فلسطين و بكامل القدس .و المعروف هو بأن السلطة العالمية و الكاوبوي بيد أمريكا و احادية القطب ، و القانون الدولي و التعاون بيد روسيا و شرق و جنوب العالم ،و توجه تعددية الأقطاب .
وعودة إلى الملف الأوكراني جرى لقاء سريع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و رئيس غرب أوكرانيا و دولة ” كييف ” فلاديمير زيلينسكي في الفاتيكان بتاريخ 25 نيسان الجاري 2025 على هامش تشييع جثمان البابا فرانشيشكو رحمه الله، حضر كل من الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون و رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر لقاء ترامب – زيلينسكي أيضا ،وما رشح عن اللقاء هو طلب الرئيس زيلينسكي من الرئيس ترامب تزويد غرب أوكرانيا مجددا بسلاح قيمته 50 مليار دولار ، يبدو حصل عليها من الاتحاد الأوروبي الذي يماس الدسيسة ، بالروسية ” إنتريغا ” ، خاصة بعد انفصال الرأس الأمريكي عن الجسم الأوروبي سياسيا . و جاء رد الرئيس ترامب صاعقا عليه ، و تساءل كيف يطلب زيلينسكي السلاح مجددا و هو غير قادر، ولن يكون قادراعلى تحقيق نصر ملاحظ على روسيا العظمى ؟ و توجه روسي رفيع المستوى لأجراء مباحثات مباشرة مع الجانب الأوكراني في زمن تغتال فيه أوكرانيا الجنرال الروسي ياروسلاف موسكاليك في العاصمة موسكو على يد العميل الأوكراني إجنات كوزين قبل أيام .
و أخيرا هنا أتساءل لماذا تخشى أوروبا تقارب بوتين و ترامب ؟ و أجيب ذات الوقت بأن أوروبا تريد و “كييف” أن تظهر منتصرة في الحرب ، بينما يقر ترامب بإنتصار روسيا فيها .