كان لبنان يوصف ب “سويسرا الشرق”، لما يتمتع به من حريات وتقدم حضاري ومقصد سياحي ، الى أن اندلعت الحرب الأهلية بين عامي 1975 الى 1990 ، وأسفرت عن مقتل حواليْ 120 ألف شخص ، وفي عام 1989 تم توقيع اتفاق الطائف بين الأطراف المتناحرة ، وأهم ما تضمنه الاتفاق نزع سلاح المليشيات المسلحة ، وبالفعل التزمت جميع الميليشيات بحل نفسها وتسليم سلاحها ، باستثناء حزب الله الذي كان يتذرع بأنه يتمسك بسلاحه باعتباره ضد العدو الصهيوني .
واذ كان سلاحه قد ساهم بمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية ، لكنه في الحقيقة كان ينفذ أجندة نظام الملالي في ايران ، وهو الذي أنشيء بقرار ايراني ولذلك كان يجاهر قادته وفي مقدمتهم أمينه العام السابق حسن نصر الله ، بأنه يلتزم بقرارات وسياسة “الولي الفقيه” ، وكان يعلن صراحة بأن سلاح الحزب وأمواله وتدريبه وأكله وشربه من ايران !
وبقي سلاح الحزب يشكل أزمة تتفاقم يوما بعد آخر بالنسبة لاستقرار لبنان ، وبناء دولة حقيقية ينتظم فيها عمل المؤسسات ، بل حولها سلاح حزب الله الى ما يشبه الدولة الفاشلة ، وباستخدام سطوة السلاح تمكن الحزب من اختطاف الدولة ، والتغلغل في مفاصلها الحيوية ومصادرة قرارها السيادي .
وكانت آخر مغامرات حزب الله غير المحسوبة ، الحرب التي فتحها ضد دولة الاحتلال بزعم اسناد حركة حماس بعد أن نفذت عملية 7 – تشرين الأول عام 2023 أو ما سمي “طوفان الأقصى ” ، وكانت نتائجها كارثية على الحزب وبيئته الحاضنة ولبنان عموما ، حيث أسفرت الحرب عن تدمير قرى الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت والبقاع، ونزوح أكثر من مليون شخص ، واغتيال قادة الحزب والعسكريين من الصفوف الأول والثاني والثالث ، وفي مقدمتهم أمينه العام حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين ، وأكثر من ذلك انتهت الحرب باحتلال اسرائيل خمس تلال استراتيجية في جنوب لبنان، وبالنتيجة اضطر الحزب لتوقيع اتفاق وقف اطلاق النار ، أو ما يشبه “صك استسلام ” بوساطة نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، وصادقت عليه حكومة نجيب ميقاتي التي كانت تنفذ أجندة حزب الله !
وأهم ما تضمنه الاتفاق التزام لبنان والحزب، بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم “1701 ” الذي صدر في أعقاب حرب تموز 2006 والقرار رقم ” 1559 ” الذي صدر عام 2004 ، والقرارين ينصان بوضوح على نزع سلاح الميليشيات .
لكن المفارقة العجيبة أن قادة الحزب ، كانون يناورون ويماطلون ويحاولون “تدوير الزوايا” ويتلاعبون بالكلمات، ويتذاكون بتفسير اتفاق وقف الطلاق النار والقرارات الدولية ، بزعم أن الاتفاق ينص على تسليم أو نقل السلاح ، من جنوب الليطاني الى شمال الليطاني ، أما بقية الأراضي اللبنانية سيبقى فيها سلاح المقاومة ، رغم أن المنطق البدهي يفترض أن المقاومة يجب أن تكون قريبة من حدود دولة الاحتلال !
واللافت أن قادة الحزب صعدوا من لهجة تصريحاتهم خلال الأيام الأخيرة ، بدءا من أمين عام الحزب نعيم قاسم وغيره من المسؤولين بقولهم أن تسليم السلاح “حلم” ! واليد التي تمتد لسلاح المقازمة ستقطع ، في تحدي واضح لمؤسسات وأجهزة الدولة ، بدءا من رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون ، الذي كان يتعامل بلطف ودبلوماسية ويفضل الحوار لاقناع الحزب بتسليم سلاحه ، وهو الذي أكد في خطاب القسم أن الدولة وحدها هي التي تحتكر السلاح ، كما تشكل تصريحات قادة الحزب تحديا واضحا للبيان الوزاري ، لحكومة نواف سلام التي تضم وزراء من حزب الله ، حيث تضمن البيان نصا واضحا حول حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية ، وأقره البرلمان بمن فيهم نواب حزب الله .
واعتقد أن التفسير واضح لهذا التصعيد الذي يهدد بحرب أهلية جديدة ، لأن سلاح الحزب انتفت وظيفته لمقاومة دولة الاحتلال ، التي تنفذ يوميا خروقات وعمليات اغتيال واستهدافات لعناصر الحزب ، دون أي رد بل أن الحزب أصبح يحمل الدولة اللبنانية، مسؤولية تحرير الأراضي التي احتلتها اسرائيل نتيجة الحرب التي فتحها في 8 اكتوبر عام 2023 !
لا يوجد تفسير آخر لتصعيد قادة حزب الله بشأن رفض تسليم السلاح ، غير المفاوضات الأميركية الايرانية بشأن السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى ، طالما أن حزب الله يشكل ذراعا استراتيجيا لتنفيذ الأجندة الايرانية ، ونظام الملالي يستخدم القضية الفلسطينية ورقة للاستثمار السياسي ، وفي ضوء نتائح المفاوضات بين واشنطن وطهران، التي بدأت في مسقط وعقدت الجولة الثانية في روما ، سيتقرر مصيرسلاح حزب الله فمن يمول ويسلح ويدفع رواتب عناصر الحزب ومقاتليه وقادته ، بالضرورة هو صاحب القرار بشأن السلاح !
theban100@gmail.com
رابط المقال
