الدكتور محمد حسين المومني
لا شيء يؤرق السياسيين والحكومات اكثر من معدلات البطالة المرتفعة، هي قنبلة موقوته تولد ضنكا واحباطا مجتمعيا هائلا ينعكس على كافة مناحي الحياة للمجتمع ومعنوياته العامة. تزداد خطورة هذه الظاهرة لأنها عادة تكون متفشية اكبر لدى قطاع الشباب، وهم مورد البلاد الأهم وطاقته الكامنة الكبيرة الساعية لشق طريقها في الحياة. في ارقام دائرة الاحصاءات الاخيرة ارتفعت البطالة لتصل 23 % وهو رقم مرتفع رغم انه جاء اقل من التوقعات. المسوحات الاحصائية القادمة ستأتي بأرقام جديدة متوقع ان تكون اعلى. الأردن ليس الوحيد الذي يواجه هذا التحدي الخطير، فدول العالم اجمع ارتفعت فيها معدلات البطالة وغالبها بنسب اكبر من الاردن. الدول الغنية عوضت العاطلين بأموال ورواتب جراء تعطلهم وضمن منظومات الأمن والضمان الاجتماعي لديهم وبحزم إنقاذ سخية، لكن الأردن وخزينته لا تقوى على ذلك فلجأنا لأوامر دفاع تحد قدر الامكان من البطالة وتسريح العمالة وان كان الثمن تقليل الدخل للعاملين.
مشكلة البطالة في الأردن مزمنة يجمع الكافة أن حلها يكمن في رفع معدلات النمو من خلال زيادة الاستثمار والتيسير عليه. لكن قول ذلك اسهل من فعله فالقصة معقدة ومتشابكة لا تحل بعصى سحرية. لا توجد حكومة لا تريد جلب الاستثمار ورفع معدلات النمو الخالق لفرص العمل، ولكن عندما يبدأ الحديث عن الإعفاءات المستنزفة للخزينة نجد أن اولوية دفع الرواتب واستقرار المالية العامة تعلو على اي اعتبارات اخرى. هذه من المشاكل العميقة في الاقتصاد الاردني عندما نحاول التوفيق بين متناقضين أحدهما ضبط المالية العامة والتخفيف من الاعفاءات وموازنة الايرادات مع النفقات، وبذات الوقت نريد معدلات نمو مرتفعة للتخفيف من البطالة والفقر وهو ما يتطلب الانفاق والتوسع به وان كان على حساب إحداث خلل في المالية العامة للدولة. برامج الأردن في التصحيح الاقتصادي انحازت دوما لأحداث التوازن في المالية العامة لأن هذا اولوية، واستراتيجيا وليس آنيا سيحدث النمو المطلوب القابل للاستمرار والإدامة.
هذا على صعيد الاقتصاد الكلي، أما الاقتصاد الجزئي فتلك قصة اخرى واحجية أردنية فريدة اننا في الوقت الذي نعاني فيه من بطالة مرتفعة، تجد أن لدينا مئات الآلاف من العمالة الوافدة التي تعمل بأجور مجزية، لو قدر لنا ان نستغني عن العمالة الوافدة لتوفرت فرص عمل اكثر مما تحتاج القوى العاملة الاردنية، لكن مشكلتنا بثقافة الوظيفة التي يسعى لها الأردنيون وإن قل دخلها. مزيد من الأردنيين بدأ يتخلى عن الرغبة بالوظيفة التي بالكاد يكفي دخلها متطلبات الحياة، لكن ليس لدرجة تكفي لكبح جماح البطالة المرتفعة.
نحتاج لإثبات افضلية العمل بالقطاع غير الوظيفي الرسمي، وهذا يتطلب الاستمرار بنهج تقليص حجم القطاع العام المستنزف للخزينة والذي يرفع سقف توقعات الشباب بإمكانية الحصول على الوظيفة بدل الدخول لسوق العمل الحر.