كتبت فلحة بريزات
تأتي القرارات الأخيرة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لتكشف عن تخبط إداري وازدواجية في المعايير في وقت حرج للإعلام الأردني؛ ما يثير تساؤلات حيال آليات تنفيذ الإصلاحات وموضوعيتها. وجه الأردن المعتق ومنبر الوطن، يتحوّل تدريجيا إلى “شاشة مسؤول”، تتبدل ملامحها مع تبدل المزاج الإداري، وتدار بعقلية بعيدة عن روح المؤسسة ورسالتها الوطنية، فالهيكلة التي يُقال إنها إصلاح، تبدو في الواقع غطاءً لخلل إداري قائم على العلاقات الشخصية لا المهنية. تطال الإحالات الأخيرة موظفين لم يتبقَّ على خدمتهم سوى عامين، وآخرين أرسلوا إلى بيوتهم تحت بند التقاعد المبكر الذي يستخدمه المسؤول بلا رقابة، ما أضر بحقوقهم وكرامتهم وخنق رواتبهم التقاعدية المتواضعة. فما يحدث لا يهدد الموظفين فحسب، بل يضرب مهنية التلفزيون ويفرغ رسالته من مضمونها. لا أحد يعترض على إصلاح التلفزيون وإعادة الألق إليه، لكن ليس باستبدال الخبرات بوجوه جديدة الهدف منه تحقيق مفهوم “الترند” الذي أصبح الشغل الشاغل للبعض، وإلغاء البرامج واختزال المحتوى، مما يحوّل التلفزيون من منبر وطني إلى منصة تجريبية بلا هوية. يتكرر النهج ذاته من “فائض عن الحاجة” إلى “فائض في الارتباك”. القرارات التي أطاحت بصحفيين وفنيين سابقًا لم تحقق شيئًا، بل أكدت أن العشوائية الإدارية أصبحت أسلوب إدارة متكرراً. فالموظف ليس مجرد رقم، بل جزءا من ذاكرة وهوية المؤسسة، وقطع هذه الصلة هو ظلم إداري واضح. إذا كانت الإجراءات تستهدف حوالي 20 موظفًا من قرابة 1500، يبرز السؤال عن العدالة ومفهوم الاستهداف الانتقائي؟ الإصلاح الحقيقي لا يعني الإقصاء، بل تطوير وحفز الكفاءات، أما ما يحدث فهو تفريغ للمؤسسة باسم “التجديد”. لهذا، تبدو الحاجة ملحّة لأن يقف رئيس الوزراء بنفسه على ما يجري داخل المؤسسة، بخاصة بعد تدخل الرئيس لإلغاء عقد أحد النشطاء، ما يعكس قدرًا من الارتجال في القرارات، وغياب رؤية استراتيجية في آليات الاختيار والتعيين. في هذا السياق، نقابة الصحفيين مطالبة بموقف واضح وشجاع يحمي الزملاء ويؤكد قيمة المهنية؛ فالحياد في مثل هذه القضايا ليس موقفًا مهنيًا بل تخليًا عن الدور والمسؤولية. فلا إصلاح يبدأ بإقصاء من صنعوا النجاح، ولا نهضة تقوم على قرارات مرتجلة تضعف الرسالة الوطنية للمؤسسة، أو تفرغها من هويتها ومصداقيتها.












