مع انتخاب مجلس جديد لنقابة الصحفيين الأردنيين، تجددت الآمال وارتفعت سقوف التطلعات. فلم تعد التحديات خافية، ولا الرهانات هامشية. ففي وقت يعيش فيه الإعلام الأردني تحولات معقدة، تتقاطع فيه الضغوط الاقتصادية مع التشريعية، وتتزايد فيه الفجوة بين العمل الإعلامي التقليدي ومتطلبات العصر الرقمي، تصبح مهمة النقابة أكثر من مجرد تمثيل مهني؛ إنها مسؤولية وطنية.
من بين أولويات هذا المجلس، تتصدر الحاجة إلى إصلاح شامل للتشريعات الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي؛ فالقوانين السارية، وعلى رأسها قانون نقابة الصحفيين، وقانون المطبوعات والنشر، والمواد المتناثرة في قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات، لا تنظم واقع الإعلام المعاصر، ولا تحمي الصحفي، ولا تواكب التطور الحاصل في بنية المحتوى ومنصاته واحتياجات الجمهور.
لقد أضحت هذه النصوص، في كثير من جوانبها، أدوات تقييد لا تنظيم، ومعوقات لا محفزات؛ إذ تسمح بتعدد الجهات الرقابية، وتشجع على فرض قيود على المحتوى بحجج غير واضحة، وتُبقي على مواد فضفاضة تفتح الباب واسعاً أمام التوقيف والمساءلة الجنائية في قضايا النشر، فضلاً عن عدم الوضوح الكامل لبيان من هو الصحفي والإعلامي والفارق بينهما!
إن نقابة الصحفيين، مطلوب منها اليوم أن تتولى زمام المبادرة، وأن تخرج من موقع ردّ الفعل إلى صناعة القرار، ويتحقق ذلك عبر تشكيل لجنة قانونية مستقلة من خيرة الصحفيين والخبراء، تُكلف بمراجعة المنظومة التشريعية واقتراح تعديلات جوهرية، تمهيداً لحوار وطني مع مجلس الأمة والحكومة، يُفضي إلى تحديث هذه القوانين بما ينسجم مع الدستور الأردني، والالتزامات الدولية للمملكة في مجال حرية الرأي والتعبير.
هنا، لا بد من التأكيد أن بيئة العمل الإعلامي لا يمكن أن تزدهر دون مظلة تشريعية تحمي حرية الصحفي، وتضمن حقه في الوصول إلى المعلومة، وتحصر العقوبات في المخالفات المهنية ضمن الإطار التأديبي لا الجزائي، وتحترم التعددية وتُعزز المهنية والاستقلالية.
كما أنه مطلوب من الصحفيين الالتزام بالمهنية والضوابط الأخلاقية، لكن الالتزام لا يُبنى على الخوف، بل على الشعور بالقدرة على العمل بمهنية عالية، فلا يمكن لأي إعلام أن يُنتج خطاباً عقلانياً ومسؤولاً، وهو يعمل تحت سيف الرقابة أو هاجس العقوبة، لذلك، فإن إصلاح التشريعات لا يعني فقط تحسين شروط العمل الصحفي، بل هو ركيزة أساسية في معادلة التنمية السياسية والاجتماعية. فالإعلام ليس مجرد ناقل خبر، بل شريك في بناء الوعي العام، وصانع رأي، ومرآة لما يحدث في المجتمع، ومؤشر على منسوب الحريات في الدولة.
وحدها التشريعات قادرة على خلق بيئة آمنة، وشفافة، ومستقرة، يمكن أن تعيد الثقة بين الصحفي ونقابته، وبين الإعلام وجمهوره، وبين الدولة ومؤسساتها الإعلامية، مع تحديد واضح لمن هو الصحفي وتوسيع المظلة وبالتالي هذا يعزز من وجود نقابة قوية قادرة على حماية الهيئة العامة والارتقاء بالمهنة، ومواجهة الهم المعيشي.

ماذا ننتظر من مجلس نقابة الصحفيين الجديد؟
د. أشرف الراعي