فراس قطيفان يكتب
في زمنٍ صار فيه الهاتف نافذتنا على العالم، أصبح كثيرون يظنون أن العالم ينتظر وجعهم كي يتفاعل معه. فترى أحدهم يخرج في بث مباشر ليحكي عن سرقته في سفر، وآخر يكتب منشورًا طويلًا عن رحلته التي لم تكتمل، وثالثًا يصور دموعه ويطلب من الناس التعاطف والمشاركة وأخرى تبكي على موت كلبها، لكن هل حقًا يهم المواطن الذي لا يجد قوت يومه أن يعرف تفاصيل نكد أحدهم في بلدٍ أجنبي؟
لقد تحولت مواقع التواصل من مساحة للتعبير إلى ساحة لعرض المعاناة طلبًا للترند. المشكلة لم تعد في مشاركة تجربة شخصية، بل في تحويلها إلى مادة دعائية للذات، حيث يقاس الألم بعدد الإعجابات، وتُقدّر المأساة بكمية التفاعل. أصبح بعض الناس لا يعيشون الحدث بقدر ما يمثلونه أمام الكاميرا، وكأنهم يبحثون عن شهرةٍ تُنسِيهم الألم ولو للحظات.
في المقابل، هناك من يعيشون وجعًا حقيقيًا في صمت. عائلات لا تملك ثمن الدواء، وآباء يواجهون قسوة الحياة بكرامةٍ وصبر. هؤلاء لا يملكون الوقت للبث المباشر، ولا الطاقة للحديث عن مأساتهم.
ما نحتاجه اليوم ليس “تطبيع الحزن” عبر الشاشات، بل استعادة) معنى الخصوصية والاحترام للألم الإنساني. فالمعاناة ليست محتوى ترفيهيًا، والاهتمام لا يُقاس بعدد المشاهدات.












