كتب :طارق زياد الشطناوي
في ظل منطقة إقليمية متوترة، تعصف بها أزمات متعددة من فلسطين وغزة إلى سوريا والعراق، يبرز الأردن كواحة استقرار في قلب الإقليم، وسط تقلبات سياسية وصراعات عسكرية وتحديات اقتصادية واجتماعية متراكمة، وفي هذا المناخ المليء بالتحديات، جاء خطاب العرش السامي ليشكل بوصلة للعمل والإنجاز، محددًا الاتجاه الذي ستسير عليه المملكة في المرحلة المقبلة.
خطاب حمل في طياته رسائل سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، أعاد التأكيد من خلالها جلالة الملك عبد الله الثاني على الثوابت الوطنية والمواقف الأخلاقية الراسخة للأردن، مجددًا الثقة بقدرة الدولة ومؤسساتها وشعبها على تجاوز التحديات بثباتٍ واقتدار، كما وجّه جلالته من خلال هذا الخطاب رسالة إصلاح ومسؤولية للداخل، ورسالة سيادة وثبات للخارج، في مزيج يجمع بين العقلانية السياسية والهوية الوطنية المتجذره التي لطالما ميّزت الموقف الأردني في وجه العواصف الإقليمية.
جاء خطاب العرش السامي بمثابة خارطة طريق، جامعًا بين رسائل سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، إذ أكد جلالة الملك عبد الله الثاني من خلاله الثقة الوطنية والموقف الأخلاقي الأردني الثابت، موجهًا للداخل خطاب الإصلاح والمسؤولية، وللخارج رسالة السيادة والثبات، في مزيج يجمع بين العقلانية السياسية والهوية الوطنية المتجذرة.
سيما وان خطاب العرش السامي حمل رسائل موجهة للداخل الأردني، فقد ركز الملك على تجديد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، ورسخ فكرة أن الأردن يسير بثقة رغم التحديات، سيما وان الملك يؤكد على استمرارية الإصلاح الإداري كحاجه ملحه لا مجرد شعار يعلن، بل هو عملية مستمرة يجب أن يلمس المواطن أثرها مباشرة في حياته اليومية، إذ يشدد على ضرورة تطوير القطاع العام بشكل ملموس وفعّال، بحيث يشعر الناس بتحسن الخدمات المقدمة في مجالات التعليم والصحة والنقل وغيرها، بعيدًا عن الخطط النظرية أو الإجراءات المكتبية المجردة.
وركز جلالة الملك في خطابه على أولويات التنمية لعام 2025- 2026 بشكل واضح والمتمثله بالتعليم والصحة والنقل كركائز أساسية للتنمية، مشددًا على ضرورة النهوض بالنظام التعليمي لمواكبة متطلبات العصر، ومواصلة تطوير القطاع الصحي، وتحديث قطاع النقل بما يعزز كفاءة الخدمات ويخدم التنمية المستدامة، ويعكس هذا التوجيه الملكي رؤية واضحة للتحول نحو اقتصاد إنتاجي يرتكز على الإنسان المؤهل والبيئة الداعمة، بما يضمن تحسين نوعية الحياة ورفع جاهزية المجتمع لمواجهة التحديات المستقبلية.
وركز الخطاب على ترسيخ الهوية الوطنية والتاريخ الوطني، إذ يشير إلى أن “الأردن بقي قوياً، مستنداً إلى إرث من بنوا هذا الوطن”، مستحضراً بذلك روح التأسيس و”مصنع الحسين” كجسر يربط الجيل الحالي بإرث الدولة الأردنية على امتداد ما يزيد عن مائة عام منذ الثورة العربية الكبرى، والتاكيد على مفاهيم الثقة الوطنية، مؤكداً أن الجيش والشعب هما الأساس المتين لاستقرار الوطن واستمراره.
يشير الخطاب إلى أهمية تمكين الشباب الأردني وتوريث المسؤولية الوطنية، مع إبراز دور ولي العهد الحسين كقدوة عملية، ليس بشكل رمزي فقط بل كحلقة وصل بين الأجيال، مما يعكس التزام الدولة بإشراك الشباب في مهامها القيادية، وفي الوقت ذاته، يرسل الخطاب رسالة واضحة للشباب بأن دورهم في بناء الوطن قيادي وفاعل وليس ثانويًا، ويحثهم على المشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية والاستقرار الوطني.
كما ان الخطاب لم ينتهي دون توجيه رسائل للخارج (الإقليم والعالم)، فجلالة الملك عبد الله الثاني تحرك على محورين: القضية الفلسطينية والموقف الأردني الثابت مؤكدا على:
موقف الأردن من حرب غزة، والذي تجسد بثبات الموقف الإنساني والسياسي الأردني الراسخ، إذ يؤكد جلالته أن دعم الأردن للفلسطينيين ليس مجرد موقف خطابي، بل التزام فعلي يتجسد في المساعدات والإسناد الميداني والموقف السياسي النشط، مع توجيه رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الأردن لن يقبل بتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني
جدد جلالة الملك في خطابه التأكيد على الوصاية الهاشمية على القدس الشريف باعتبارها حقًا سياديًا ودينيًا وتاريخيًا ثابتًا لا يقبل التنازل أو المشاركة، في رسالة واضحة موجهة إلى إسرائيل وكل من يحاول المساس أو تجاوز الدور الأردني في إدارة المقدسات.
استخدم جلالة الملك لهجة حازمة وغير معتادة في خطابات العرش، حين قال ” لن نقبل باستمرار الانتهاكات في الضفة الغربية”، وهي رسالة تحمل تصعيدًا دبلوماسيًا محسوبًا ضد السياسات الإسرائيلية، وتعبّر في الوقت ذاته عن تضامن واضح مع الشارع العربي والعالمي الرافض للعدوان.
الخطاب الملكي يجسد توازناً دقيقاً بين الشرعية التاريخية والمستقبلية، إذ يستحضر إرث التأسيس ويؤكد دور الشباب كامتداد طبيعي له، ويعيد ترسيخ مفهوم الدولة القوية بمؤسساتها لا بأفرادها، وإعادة تأكيد ثقة النظام بنفسه وسط الإقليم المتقلب من خلال تأكيده أنه “لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته”، جامعاً بين الصرامة في التوجيه الداخلي والدفاع الثابت عن القضايا العربية، وخاصة فلسطين، في حين تتضح ملامح الرؤية الملكية للمرحلة 2026–2030 بمحوريها: الداخلي الذي يركز على تحديث القطاع العام والتعليم والصحة والنقل، والخارجي الذي يعزز الموقف الوطني تجاه القدس وفلسطين ويكرّس الأردن صوتاً عاقلاً في محيطه الإقليمي.
اظهر خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني بمناسبة العرش السامي حزمة من الدلالات الهامة، تشكل ركيزة أساسية في المئوية الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية، فالخطاب يجسد توازناً دقيقاً بين الشرعية التاريخية والمستقبلية، إذ يستحضر إرث التأسيس ويؤكد دور الشباب كامتداد طبيعي لهذا الإرث، ويعيد ترسيخ مفهوم الدولة القوية بمؤسساتها لا بأفرادها، مع تعزيز ثقة النظام بنفسه وسط الإقليم المتقلب من خلال التأكيد على أن “لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته”، وعلاوة على ذلك، برز في الخطاب تأكيد عميق على الهوية الأردنية بوصفها جوهر الانتماء وذاكرة الوطن الحية؛ فهي تختزل تاريخا طويلا من المجد والتضحيات والمواقف الثابتة على مدى أكثر من مئة عام، وما تزال تشكل عنوانا للفخر ومصدرا للعزة، وتجسد روح الأردن التي لا تنكسر وإرادة أبنائه التي لا تلين.
كما يجمع بين الصرامة في التوجيه الداخلي والدفاع الثابت عن القضايا العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، ويتضح في الخطاب ملامح الرؤية الملكية للمرحلة 2026–2030، من خلال محور داخلي يركز على تحديث القطاع العام والتعليم والصحة والنقل، ومحور خارجي يعزز الموقف الوطني تجاه القدس وفلسطين ويكرّس الأردن صوتاً عاقلاً في محيطه الإقليمي.
مدير مركز الاميرة بسمه في جرش












