الحديث عن الاستقلال في الأردن يتميز في معانية العميقة عن مفاهيم ومصطلحات الاستقلال المعهودة ، فالاستقلال لدينا كان وما زال حلم جمع ما بين التاريخ ، والدين والقومية ، وهو مشروع فرض نفسه على الامة ، بمبادىء ثورة العرب الكبرى التي انطلقت من مكة وقادها شريف من احفاد المصطفى (صلى الله علية وسلم ) . ولتمتد نتائجها وتزرع هذا الطموح الثوري لابناء بلاد الشام والهلال الخصيب وتوجهه ليكون الحامية التي تواجه الاستعمار الممتد ، والغطرسة المتبرعمة في منطقتنا .
الاستقلال غاية وهدف طموح عاش في حلم الأردن والاردنيين ومن معهم من ثوار سوريا والعراق وفلسطين وبغداد الذين لجأوا الى هذه البقعة الطاهرة ، التي يجدون فيها من يناصرهم ويحميهم ويتشارك معهم في الهدف والطموح . فكانت المناخات، وكانت وحدة الرؤى الواعية والمستعدة ، مبصرة نحو المستقبل الذي تطلب التضحيات والكفاح الدائم والاستبسال ، ففلسطين محتلة من بريطانيا ومشروعها الخبيث ما زال يجثم على صدورنا ، وسوريا تخضع للحكم الفرنسي الذي حول الشام الى محمية يعبث بها كيفما يشاء ، والعراق أراد فيها الانجليز أن تكون مسرحا متناقضا ، فسياسة الانجليز الدائمة وهي فرق تسد التي تتبناها أمريكيا هذه الأيام .
لم يكن الخامس والعشرين لعام 1946 هو يوم الاستقلال بل هو نتاج كفاح عظيم لشعب وقيادة وكل من يعيش على ثرى الأردن . كذلك لم يكن الاستقلال منحة أو هبة من بريطانيا بل استجابة مذعونة خنع لها تشرشل عام 1920 عندما حضر الأمير عبدالله بطلب من القوى الثورية والعشائر بالأردن لتاسيس نواة لكيان قومي هدفه مواجهة مخططات بريطانيا وفرنسا في المنطقة ، وأدرك تشيرشل بأن انشاء مثل هذا التحالف والتكتل ، حيث بدرك تيشرشل قدرة الأمير وتوجه ابنا المنطقة ، وهذا يمثل تحد كبير للمخططات والاطماع البريطانية ، فكانت المفاوظات ،التي اسفرت عن استثناء شرق الأردن من وعد بلفور وتشكيل إمارة شرق الأردن ولكن تحت الانتداب البريطاني . من هنا بدأ الفصل الثاني من مشروع الاستقلال الممزوج بحلم من يعيش على ثرى الوطن ، بتأسيس كيان يكون منطلقا لهم ، وشعلة من نور وبداية لعهد جديد . و ولادة حقيقية للمشروع القومي. ، فإمارة شرق الأردن وليدة حقيقية ومنتج كفاح لا شعارات اثبتت فشلها في صراعات المصالح والمتع الشخصية التي تمثلت في المشاريع القومية الأخرى .
كفاح الوطن لم يستسلم للواقع بإنشاء الامارة كون الرؤية تنظر الى الإرادة المستقلة ، فاستمر الكفاح حتى تحققت بداية الحلم ، فكان يوم الاستقلال وكان الصوت الأردني يصدح لتستجيب بريطانيا ويتم الإعلان عن مملكة اردنية هاشمية عضو في الامم المتحدة وكيان محترم له حضوره إقليميا ودوليا
الاستقلال بالنسبة للاردن والاردنيين لا يعني الرفاه المبالع فيه ، ولا المقومات المعيشية الرغدة ، ؟ بل الكرامة والعزة التي حملت الامة ورفعت رايتها ودافعت عنها ، وكانت الحضن الدافيء لها ، فالمقومات في مجملها منح إلهية ، يغدقها على الاقوام ، كما اغدق المن والسلوى على يهود موسى ، إلا أن قدرنا بالأردن أن يكون الانسان هو ثروتنا الذي لم يبخل على الامة بعلمه وجهده ، وأن الأردن هو الترس الواقي الذي يتلقي الصدمة الأولى لأي مؤامرة تحاك بهذه الأمة ، فنحن ما زلنا وسنبقى الصدر الذي لا يقول لأي عربي لا ! رغم كل الظروف والتحديات الطبيعية التي لا تسعفنا بالاغداق أو الرفاه بل نطوف عليهم بالامن والسلامة والاستقرار الذي فقد في كثير من دول العالم حتى المتقدمة .
الاستقلال : لنا هو يوم ذكرى ومعزز لمشروع ما زلنا نسعى اليه ، وما زال الهاشميون يدركون تماما بأن الشعب الأردني نموذجه العربي والقومي باعتبارهم رواد وبناة حقيقيون لمبادىء الثورة وهم خير من يتحملون المسؤولية في بنا مجد الامة ، فكان الأردن وما زال طليعة الدول ، ونموذج الوحدة والكبرياء ونشامى الماضي والحاضر والمستقبل . فمبروك للوطن وشعبه هذا الاستقلال