“عمرة” بين الحلم والواقع: هل يشهد الأردن ولادة عاصمة جديدة؟
بقلم :عمران السكران
الحلم الأردني بمدينة جديدة تحمل اسم “عمرة” يطفو هذه الأيام في الأحاديث والتقارير الصحفية، في محاولة للهروب من ضيق عمان وضجيجها وازدحامها.
الفكرة تبدو جذابة، فالأردن الذي يعاني من ضغط على البنية التحتية يحتاج بالفعل إلى متنفس حضري جديد يخفف العبء عن العاصمة، لكن بين الحلم والواقع مساحة واسعة من الأسئلة، تبدأ من كيفية التمويل ولا تنتهي عند مدى جدوى المشروع على المدى البعيد.
زيارة وفد أردني إلى القاهرة قبل أيام ولقاؤه مسؤولي شركة العاصمة الإدارية المصرية أثارت فضول المتابعين، إذ نقلت صحيفة “أموال الغد” تفاصيل التعاون المقترح، مشيرة إلى أن الأردن يسعى للاستفادة من التجربة المصرية التي صنعت مدينة ضخمة من الصحراء.
وأشار موقعThe Property Stats كذلك إلى أن الأردن مهتم بجلب خبراء ومستشارين شاركوا في المشروع المصري، لتجنب الأخطاء التي واجهتها مصر وضمان سرعة التنفيذ، هذه الخطوات تؤكد أن الفكرة ليست مجرد اجتهاد عابر.
ونقلت وسائل إعلام عديدة عن مصعب المهيدات رئيس مجلس إدارة المدينة الإدارية الجديدة، المدينة تقع على بُعد نحو 70 كيلومترًا من العاصمة عمّان وبالقرب من الطرق الدولية المؤدية إلى السعودية والعراق، بما يمنحها موقعًا استراتيجيًا متميزًا.
والحكومة خصصت بالفعل مبالغ مالية ضمن موازنة 2024 لإعداد الدراسات والتصاميم، على أن تبدأ أعمال البنية التحتية خلال العام الجاري، مع استهداف توفير نحو 100 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة أثناء التنفيذ، على أن يتم الانتهاء من جميع مراحل المشروع بحلول عام 2050.
ورغم ما أُعلن في الصحافة العربية والدولية، يلاحظ المتابع غياب التصريحات الرسمية الواضحة، وهو ما يفتح الباب للتأويلات، هل نحن أمام مشروع جاد ينتظر التوقيت المناسب للإعلان الرسمي؟
الأردن بلا شك بحاجة إلى مدينة جديدة، عمان تختنق يومًا بعد يوم، والشوارع لا تتسع، والأسعار ترتفع، والضغط على الخدمات يتضاعف، لكن الحاجة وحدها لا تكفي لتحويل الحلم إلى واقع، في مصر مثلًا، ورغم ضخامة العاصمة الإدارية، بقي الجدل قائمًا حول الكلفة والديون وجدوى نقل الوزارات من قلب القاهرة.
المسألة هنا ليست بناء أبراج ولا شوارع واسعة، بل خلق مدينة تنبض بالحياة، تجذب الاستثمار وتستوعب الشباب وتمنحهم الأمل، مدينة بلا اقتصاد حقيقي لن تكون أكثر من هياكل إسمنتية فارغة، ومدينة بلا تخطيط وتمويل لن تثير سوى علامات التعجب.
الحديث عن “عمرة” إذن هو امتحان للخيال الأردني قبل أن يكون مشروعًا عمرانيًا، الامتحان يكمن في قدرة الدولة على الجمع بين الرؤية والطموح من جهة، والواقعية من جهة أخرى.
إن تحقق ذلك، فقد تكون “عمرة” بداية لمرحلة جديدة من التفكير العمراني في الأردن، أما إذا بقيت مجرد عنوان مثير في وسائل الإعلام، فستكون مصيرها ككثير من المشاريع التي وُلدت في التصريحات وماتت قبل أن ترى النور.