المحامي هيثم عريفج
ما حدث أخيراً من “جاهة حزبية” جاءت لتمنع ترشّح عضو حزبي ضد عضو آخر من الحزب ذاته، يمثل سقطة سياسية كبرى، ليس لأنها حادثة غريبة عن المشهد العام، بل لأنها تختصر مساراً مقلوباً في بناء الحياة الحزبية في الأردن. فبدلاً من أن تتشكل الأحزاب من القاعدة نحو القمة، جاءت التجربة على العكس تماماً: أحزابٌ تشكلت من القمة ثم حاولت أن تتجه إلى القاعدة.
إن اللجوء إلى “جاهة حزبية” — بكل ما تحمله المفردة من دلالات اجتماعية تقليدية — لحل خلاف سياسي داخل حزب، يكشف أن الأدوات الحزبية لم تُفعّل بعد. فما الفائدة من وجود أدوات حزبية ونظام داخلي إذا لم يكن مفعّلاً أو ملزماً؟ وهل يُعقل أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها الحل بتشكيل “جاهة” تعتمد “كفيل دفّى” و“كفيل وفى” لحسم الخلاف ؟
بل الأخطر أن يُترك الأمر لاجتهادات شخصية، دون أن يتضمن النظام الداخلي نصوصاً واضحة تحدد آليات الانضباط والمساءلة داخل الحزب، أو يبيّن الجهة المختصة بمعالجة مثل هذه الخلافات، إلا إذا ارتأينا – وهذا أكثر جدوى – أن تتم الاستعانة بأحزاب أخرى معروفة بإصلاح ذات البين للمساعدة في حل النزاعات الداخلية للحزب.
وهنا يصبح السؤال مشروعاً: كيف يُطلب من الناس أن يقتنعوا بالأحزاب ويصوتوا لها في مواجهة الحزب الذي حاز أعلى الأصوات في الانتخابات الماضية، بينما هذه الأحزاب نفسها ما زالت تتصرف كعشائر سياسية أكثر منها مؤسسات برامجية؟
ما جرى ليس مجرد حدث عابر، بل نتيجة طبيعية لأحزاب تشكلت بعكس المسار الطبيعي. الأحزاب الحقيقية تُبنى من الشارع، من وعي الناس واختلافاتهم وتطلعاتهم، لا من تفاهمات فوقية أو تحالفات انتقائية. فالحزب الذي يُراد له أن يعكس واقع الشارع، لا يمكن أن يكون نسخة من تركيبة اجتماعية أو مصالح شخصية يجري تدويرها من موقع إلى آخر.
الإصلاح الحزبي لا يكون بالمجاملات أو بالتنازلات الشكلية، بل عبر بناء أدوات حزبية حقيقية: نظام داخلي فعّال، آليات ديمقراطية ملزمة، وثقافة حزبية تؤمن بالاختلاف لا تُجرّمه. وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة تُعيد إنتاج ذات النخبة بذات الأدوات، بينما يفقد الشارع ثقته أكثر فأكثر بفكرة العمل الحزبي ذاتها وبالنتيجة بالتحديث السياسي .
المطلوب اليوم ليس جاهة حزبية لحل خلاف بين مرشحين، بل خطوة وطنية تضع الجميع أمام مسؤولية بناء حياة سياسية حقيقية، قوامها الإقناع لا الإكراه، والتنافس لا الترضيات، والمبادئ لا المصالح.












