انجاز-في وسط الساحة الإعلامية الأردنية التي تتزاحم فيها الأصوات ويشتد فيها السباق نحو الظهور، برزت سمر غرايبة بنمط مختلف، يعتمد على الهدوء والرصانة والقرب الحقيقي من الناس. ابنة إربد اختارت منذ البداية أن تبني طريقها على أساس معرفي متين، فالتحقت بدراسة الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك وتخصصت في الإعلام المرئي والمسموع، قبل أن تبدأ رحلتها المهنية عبر بوابة الإذاعة، التي وجدت فيها الانطلاقة الأصدق لبناء حضورها.
بدأت سمر
مسيرتها في الإذاعة الأردنية، حيث تلقت تدريبها على يد نخبة من الإعلاميين الذين تركوا أثرًا مهنيًا واضحًا في مسارها. هناك تعلّمت أن الكلمة مسؤولية، وأن الصوت يمكن أن يصنع علاقة صادقة مع المستمع إذا خرج من القلب. امتلكت حضورًا إذاعيًا واثقًا منذ بداياتها، واشتغلت بجد على تطوير أدائها والتواصل مع الجمهور بصدق وبساطة ووعي لغوي رصين.
ومع رسوخ تجربتها، انتقلت سمر إلى التلفزيون الأردني، حيث بدأت مرحلة جديدة من مسيرتها من خلال برنامج «يوم جديد» الصباحي. شكّل البرنامج محطة محورية في حياتها المهنية، إذ منحها مساحة رحبة للتفاعل مع مختلف شرائح المجتمع، وتقديم محتوى منوع من داخل الاستوديو ومن قلب المحافظات عبر النقل المباشر. وقد ظهرت خلالها قدرتها على الانتقال بين الموضوعات الاجتماعية والإنسانية والثقافية بسلاسة وعمق، لتغدو واحدة من الوجوه التلفزيونية الأقرب إلى المشاهد.
في كل ما قدمته، حافظت سمر على سمات ميزتها: الهدوء، الاحتراف، العفوية غير المتكلفة، والابتعاد عن الإبهار المصطنع. اختارت أن تكون الثقة هي بوابتها إلى الجمهور، وأن تبقى وفية لفكرة الإعلام الهادئ الذي لا يعلو صوته ولكنه يترك أثرًا. ولهذا لاقت قبولًا واسعًا من المشاهدين الذين وجدوا في حضورها انسجامًا بين الإنسانية والمهنية.
تنقلت بعدها بين برامج عدة، أبرزها «دروب الورد» الذي حمل طابعًا إنسانيًا وثقافيًا خاصًا، ثم «بروفايل» الذي قدّم تجربة مختلفة في أسلوب التقديم، إذ تعمّق في الجوانب الإنسانية والفكرية لشخصيات من مجالات متنوعة، بعيدًا عن الأسئلة النمطية. وقد لاقى البرنامج تقديرًا واضحًا، بفضل منهجيته الهادئة وطريقته في بناء صورة متكاملة عن الضيوف.
ورغم نجاحها التلفزيوني، حافظت سمر على علاقة خاصة مع الإذاعة، فبقيت بالنسبة لها مساحتها الأصيلة. قدمت برامج مميزة، من أهمها «حلو الكلام» على إذاعة الأمن العام، الذي تناول قضايا اجتماعية بعمق، و«ليلة سمر» على إذاعة الجامعة الأردنية، وهو برنامج مسائي جمع بين الدفء الإنساني والموضوع الثقافي، بلمسة وجدانية خاصة.
تميّزت برامجها الإذاعية بأنها لا تُبث لمجرد الاستماع، بل لتقديم رسالة، وفتح مساحة للحوار، والإصغاء للناس قبل الحديث إليهم. وهذا ما جعل حضورها الإذاعي موازيًا لتألقها التلفزيوني في أثره وقيمته.
وفي سياق تطورها المهني، شاركت سمر في دورات تدريبية في مؤسسات إعلامية عربية وعالمية، من بينها الـ BBC وTV5 ومنظمة المرأة العربية وعدد من المؤسسات المحلية والإقليمية، ما أسهم في توسيع خبرتها وتعميق أدواتها المهنية. كما تلقت تكريمات من مؤسسات وطنية تقديرًا لإسهامها الإعلامي ونشاطها المجتمعي.
ولا يقتصر حضورها على الشاشة والأثير فحسب، بل يمتد إلى تقديم الأمسيات الثقافية والاحتفالات الوطنية والمناسبات المؤسسية، حيث يظهر تميزها في الإلقاء وإدارة الفعاليات بحضور يليق بأصالتها المهنية.
واليوم تستعد لإطلاق برنامجها الجديد «بصمة»، الذي يعكس خلاصة تجربتها، ويهدف إلى تقديم نماذج مؤثرة وترك أثر إيجابي لدى الجمهور، ضمن رؤية إعلامية إنسانية تحافظ على هدوئها واتزانها.
سمر غرايبة نموذج لإعلامية اختارت أن تصنع مسيرتها بخطوات ثابتة وصوت هادئ، بعيدًا عن الضجيج. إعلامية تؤمن بأن الكلمة قد تصنع فرقًا حين تُقال بصدق، وأن التأثير الحقيقي لا يحتاج صخبًا، بل يحتاج حضورًا نابعًا من احترام عقل المشاهد وقلبه معًا.
عماد الشبار












