هيام الكركي تكتب
ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني خطاباً تاريخياً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين يوم الثلاثاء 23 أيلول 2025، حمل رسائل سياسية وأخلاقية واضحة، جددت الثوابت الأردنية في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وأكدت أن العدالة والحرية هما أساس أي استقرار في منطقتنا والعالم.
منذ مستهل كلمته، شدّد جلالته على أن القضية الفلسطينية ليست ملفاً ثانوياً، بل هي قضية محورية لا يمكن تجاوزها. وقال بوضوح: “قيام الدولة الفلسطينية ليس مكافأة للفلسطينيين، بل هو حق لا جدال فيه”. هذه العبارة شكّلت عنواناً للخطاب ورسالة إلى العالم بأن تجاهل حقوق الفلسطينيين يعني إدامة الصراع وغياب الأمن والاستقرار.
جلالته أوضح أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم، وحذّر من أن إسرائيل لا تظهر أي التزام بهذا المسار، بل إن خطابها حول “إسرائيل الكبرى” يشكل انتهاكاً صارخا لحقوق الشعوب المجاورة، ويمهّد لصدام ديني خطير يهدد المنطقة بأسرها. هنا، وضع الملك المجتمع الدولي أمام حقيقة واضحة: لا استقرار ولا أمن ولا مستقبل دون حل عادل يُنهي الاحتلال ويعيد للشعب الفلسطيني حريته وكرامته.
ولم يغفل الخطاب أن يسلط الضوء على ازدواجية المعايير الدولية، حيث أكد جلالته أن القوانين والشرائع الدولية ليست اختيارية، بل هي التزامات ملزمة على الجميع. وأن ما يشهده العالم من صمت وتراخ أمام مأساة غزة من قتل وتجويع وتهجير، يقوّض مصداقية النظام الدولي برمّته.
كما اتسع خطاب الملك ليضع أمام العالم صورة شاملة للتحديات المشتركة التي تعصف بالبشرية: التغير المناخي، الأزمات البيئية، الفقر، النزوح القسري، وحرمان الملايين من فرص التعليم والعمل والمشاركة في الاقتصاد الحديث. وأكد أن هذه التحديات لا تستطيع أي دولة مواجهتها وحدها، بل تحتاج إلى تعاون عالمي يقوم على العدالة والتضامن والمسؤولية المشتركة.
الملك عبدالله الثاني لم يتحدث بلسان الأردن فقط، بل بلسان الأمة كلها. فقد حمل خطابه موقفًا مبدئيا ثابتا: أن الأردن، بقيادته الهاشمية، سيبقى الحارس الأمين للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، والسند الصادق للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل نيل حقوقه المشروعة.
لقد كان خطاب جلالته أمام الجمعية العامة أكثر من كلمة سياسية، بل كان وثيقة حق وصرخة ضمير، وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية والتاريخية، وأكدت أن العدالة هي الشرط الوحيد لبناء سلام حقيقي، وأن فلسطين الحرة هي أساس مستقبل آمن للمنطقة والعالم.