حوارية في “شومان” تسلط الضوء على تجربة غالب هلسا الروائية
إنجاز-سلطت حوارية في المنتدى الثقافي بمؤسسة عبد الحميد شومان، أمس، الضوء على تجربة الروائي والناقد الأردني الراحل غالب هلسا، وأثره على الرواية العربية، بحضور نخبة من الآدباء والكتاب والمهتمين.
وشارك في الحوارية التي جاءت بعنوان “غالب هلسا وأثره في الرواية العربية”، أستاذ نظرية الآداب والنقد المعاصر الدكتور شكري عزيز ماضي، ومحمد عبيدالله، وقدمهم وأدار الحوار مع الجمهور الدكتور عماد الضمور.
الدكتور شكري ماضي تحدث حول تطور النسق الروائي عند غالب هلسا، من مرحلة محددة إلى مرحلة أخرى مضادة لها في فترة زمنية قصيرة نسبيا، مشيرا إلى أن تطور النسق الروائي يدل على الانتقال من الرؤية الموثوقة في فهم العالم وحيازته جماليا إلى الرؤية اللايقنية حيث الحيرة والغموض والعبث.
وأكد أن تطور النسق الروائي لدى هلسا يدل على تطور الفلسفة الجمالية لديه، فالجمال الحق في رواية “الخماسين” يكمن في التعبير عن منظومة القيم التي تعاني من التفكك في التعبير عن أعماق الذات أو عالم الانفعالات والمشاعر ومخزونات اللاوعي (حيث تكمن الحقيقة). بينما يكمن الجمال الحق في رواية “ثلاثة وجوه لبغداد”، في التعبير عن قيم أخرى مضادة، أي في التعبير عن الشك في جدوى منظومة القيم أو وجودها، أي التعبير عن “عالم بلا قيم”، وفي تجسيد قيم التعدد والتباين وتصوير العلاقة المعقدة بين الإنسان والعالم التي تثير الأسئلة والتساؤلات، فالحقيقة لها وجوه متباينة وأبعاد متناقضة، وهذه الفلسفة قد تسهم في إعادة الاعتبار للهامشيين والمقهورين.
كما أشار الدكتور ماضي إلى أن تطور النسق الروائي لدى هلسا، يدل أيضا على حدة الأزمات المصيرية ووطأة الأحداث والمتغيرات المتسارعة التي تدفع الروائي العربي دفعا للتوسل بكل الأدوات والأساليب والاشكال في سبيل التوصل والبحث عن مجالات للتأثير، موضحا أن كل هذا يوضح حجم المعاناة، مثلما قد يفسر ازدهار النزعة التجريبية، لكنه قد يدل من جهة ثانية على الاستمرار في البحث عن منهج .
الدكتور محمد عبيدالله قال إن غالب هلسا كان أحد أبرز أدباء الستينيات، في الأردن ومصر والعالم العربي، وقد حملت رواياته روح التمرد والتجديد على الأساليب والأفكار التقليدية، وعبر برؤية جديدة عن الواقع، مشيرا إلى أنه له في المجال الروائي سبع روايات إضافة الى مجموعتين قصصيتين، إلى جانب ترجماته وكتاباته النقدية المعروفة وله إسهام مذكور في المجال الفكري والفلسفي، كما كان له مساهمات سياسية ووطنية.
وأضاف أن غالب هلسا شكل خلال سنوات حياته، علامة مهمة في الأدب والثقافة، فما يزال يعتبر رمزا من رموز الثقافة العربية، مع إيمانه الكامل بقدسية الحرية، ووجوب استقلال المثقّف دون أن يخشى العواقب، بحيث انتزعت أعماله الأدبية والنقدية والفكرية مكانة متميزة بسبب قوة بصيرتها واختلافها فكرا وفنا عن غيرها من الكتابات.
وبين، أن روايات هلسا تمثل أعمالا رائدة في مجال انفتاح الرواية على التخييل الذاتي وهو صيغة متطورة ومعقدة من السيرة الذاتية عندما تخرج على محدداتها الأولية أو التقليدية، وهو بذلك لا يفصل تجربته الذاتية عن التجربة الخارجية/ الموضوعية، وينظر إلى الموضوع مندمجا أو متمثلا في الذات. وقد استعمل غالب اسمه الشخصي (غالب) في روايتي: “الخماسين” و”ثلاثة وجوه لبغداد”، واستعمل أسماء مستعارة في روايات أخرى، ولكن رواياته لا تخرج عن الخطوط العامة لحياته، مع ما يتطلبه التخييل الذاتي من تغييرات وتأملات تحول السيرة إلى رواية.
ويرى أن كتابات هلسا، ناقشت مشكلات فكرية مهمة مثل قضايا: التقدم والتغيير والحرية والكرامة والعدالة والثورة، والعلاقة بين التراث والمعاصرة، وسائر القيم والمشكلات التي تطلعت إليها القوى الوطنية والتحررية في العصر العربي الحديث. وامتاز بجرأته في طروحاته، لهذا لقب بالمثقف المنظّر أو المحارب، إذ غاص بروايته “الضحك” في أزمة المثقفين.
الروائي والناقد هلسا مولود في قرية ماعين الواقعة قرب مدينة مادبا، العام 1932، جرب كثيرا من العواصم العربية، فقد ارتحل إلى عمان وعاش فيها شطرا، ليغادرها للدراسة نحو القاهرة التي تم ترحيله منها باتجاه بغداد، ثم ليغادرها إلى بيروت، والتي اضطر إلى مغادرتها إثر الاجتياح الإسرائيلي، فيتوجه إلى دمشق مستقرا فيها إلى حين وفاته في العام 1989.
