حين أمطرت السماء خبزًا من عمّان… فرحت غزة وهتفت: حييتَ يا أردن
بقلم الأستاذ الدكتور فراس الهناندة – رئيس جامعة عجلون الوطنية
في صباحٍ، لا يشبه الصباحات التي اعتادتها غزة، لم تستيقظ المدينة على صراخ الطائرات، ولا على أنين الإسمنت المنهار فوق صدور الأطفال، بل على هديرٍ مختلف… شاحنات أردنية تمضي بهدوء الجبال، بثبات الرجولة، وبصمت الأوفياء. كأنها قادمة من قلب عبد الله، من ضمير وطنٍ لم يعرف يومًا أن يشيح بوجهه عن أنين جاره. لم تكن تنقل فقط طحينًا، بل تحمل وفاءً وتُحمّل على ظهورها كرامةً تتّسع لأمّة.
ستٌّ وثلاثون شاحنة، ليست مركباتٍ ثقيلة فحسب، بل مواكب نخوة تعبر النار لتُحيي الجائع، وتتجاوز الجراح لتقول: “ما زال في الأمة ضمير”. تدخل غزة لا بقرار سياسي، بل بقلب إنساني لا يعرف الحياد إذا ما جاعت الكرامة. وما إن وصلت، حتى خفّت وطأة الوجع في المخيمات… لم تكن تحمل خبزًا فحسب، بل تحمل لمسة يدٍ تمسح على رأس يتيم، وصوت جارٍ يقول: “أنا هنا”.
رغيفٌ يُلَمّ به شتات مائدةٍ فَقَدت أبناءها، وكيس دقيقٍ يدخل بيتًا فقد جدرانه، لا ليُشبع فقط، بل ليُعيد شعور الأمان. في كل زاوية، كان الأردني حاضرًا – وإن لم يُرَ – حاضرًا بقلبه وموقفه، لا بمنٍّ ولا عدسة، بل كما يفعل الجار الأصيل حين يسمع أن بيت جاره تهدّم في الليل، فينهض في الفجر دون أن يُنادى.
سيدةٌ تحتضن كيس الطحين وكأنها تحتضن ابنها الشهيد، ورجلٌ توقف في منتصف الطريق، تسمرت خطواته، وسالت دموعه بصمتٍ ثقيل، وطفلٌ يركض خلف الشاحنات لا ليأخذ شيئًا، بل ليبقى في حضرة الأمل. الناس لم ينظروا إلى ما أُعطي، بل إلى كيف أُعطي. لم يندهشوا من المساعدة، بل من الكرامة التي جاءت معها.
أيّها الأردنيون،
هذه ليست شاحنات طحين، بل صفحات من مجد تُكتب من جديد. هذا هو الأردن، حين يجوع الجار فيغضب، وحين تناديه غزة، يردّ دون سؤال. اليوم لم يكن إرسالًا لمساعدات، بل كان تجسيدًا للعقيدة الأردنية: أن لا كرامة في الشبع إذا جاع الجار، وأن لا نصر دون غزة، وأن لا عروبة إن خذلناها تحت الحصار.
جلالة الملك عبد الله الثاني،
لم تُرسل شاحنات… بل أرسلت دفعةً من الأخلاق الهاشمية الأصيلة، أرسلت النور في زمن الظلمة، والدفء في زمن القسوة، والإنسانية في زمن الجفاف. جعلت الطائرات تهبط بالخبز لا بالنار، وعلّمت العالم أن السيادة ليست بندقية، بل يدٌ ممدودة بالحب والعزم.
غزة اليوم لا تنسى…
ترفرف رايات الأردن فوق نوافذها، وتُسمّي أبناءها باسم من لم يخذلها، وتقول للعالم: “في الزمن الصعب… لم يساندنا إلا من تَربّى على نخوة الهاشميين”.
أما نحن في جامعة عجلون الوطنية،
فنفتخر أن نكون أبناء هذا الوطن الذي لا يغيب عن واجب، ولا يتأخر عن موقف. نُعلّم أبناءنا أن الشهادة ليست فقط في ميادين القتال، بل أيضًا في مواقف الرجال، وفي خبزٍ يُرسل في عزّ النار ليعيد إنسانية البشر.
هذا هو الأردن…
إذا استغاثت به غزة، لبّى.
وإذا بكت القدس، انتصر لها.
وإذا نادت الكرامة، أجابها: “أنا لها”.
فاكتبوا هذا اليوم في كتب العز، وسجّلوه في دفاتر الكرامة:
حين أمطرت السماء خبزًا من عمّان… فرحت غزة، وهتفت الأرض: حييتَ يا عبد الله.