همام الفريحات
في عصر باتت فيه الشهرة تُباع لمن يدفع أكثر، لا لمن يقول الحق، ظهر على السطح جيل من المؤثرين لا يحمل من التأثير إلا اسمه، ولا من الوطنية إلا ما يناسب البث المباشر، والهدايا، ومقاطع الجدال المفتعل.
على منصة مثل “تيك توك”، تحوّلت الوطنية إلى سلعة، وتحولت فلسطين إلى ترند، وتحول الخطر إلى محتوى. فصار من يصرخ أكثر، ويشتم أكثر، ويزاود أكثر، هو من يُقال عنه “ابن البلد” المدافع، ولو كان في حقيقته لا يدافع إلا عن دخله من المشاهدات.
بعض هؤلاء المؤثرين، تجاوزوا الخط الأحمر، حين ادّعوا تمثيل صوت الشارع الأردني أو الدفاع عن فلسطين، في حين أنهم في الواقع يستخدمون القضية كغطاء دعائي رخيص، يضرب وحدة الأردنيين من الداخل، ويشكك في مؤسسات الدولة، ويخلق جوًا من العدمية والتشكيك العام.
هم لا يقاتلون من أجل فلسطين، بل يقاتلون من أجل الترند.
والأخطر من كل هذا أن بعض الاخر ينصب نفسه وصيًا على الأردنيين، يمنح هذا “شهادة وطنية”، ويتهم ذاك بـ”الخيانة”، يزاود على هوية الأردني، وكأنه الوحيد الذي يخاف على الأردن، في حين أن أفعاله تشق الصف وتغذي الفتنة أكثر مما تحمي.
أما ما يجري خلف الكواليس، فليس سوى شبكة من شبهات غسيل الأموال والتربّح من الفوضى، حيث تُستخدم الهدايا الرقمية كستار لغسل الأموال، ويتم توجيه المحتوى نحو التصعيد المتعمد، وخلق صراعات سياسة ومجتمعية و دينية ، كل ذلك من أجل أن يُقال عنهم: “ترند اليوم”.
هنا، لا بد أن نسأل: متى أصبح التلاعب بعقول الناس بطولات؟ ومتى صارت الوطنية تُقاس بعدد المشاهدات؟ وهل أصبحت فلسطين ستارًا لكل من يريد الطعن في ظهر الأردن؟
الأردن لم يكن يومًا بحاجة إلى من يصرخ، بل إلى من يشتغل.
ولم يكن في يوم من الأيام ساحة مفتوحة لبيع الوطنية ولا للمتاجرة بالهوية.
الوطن يُصان بالصدق، لا بالهجوم؛ وبالعمل، لا بالاستعراض.
المطلوب اليوم وعي رقمي أردني جديد، يفرّق بين من يريد بناء الدولة، ومن يريد هدمها وهو يرتدي قناع الحريص.
والمطلوب أكثر، قوانين تضبط هذه الفوضى الإلكترونية، وتضع حدًا لمن يحاول استخدام السوشال ميديا كمنبر لهدم وعي مجتمع كامل.