الإثنين – pm 06:34 | 2025-12-29
بقلم : ناديه العنانزه
شكّلت جامعة اليرموك بما تحملهُ من إرث أكاديمي وثقافي ووطني نموذجا حيّا في تقدير الشهداء وترسيخ ثقافة الوفاء لمن قدّموا أرواحهم دفاعا عن الحقيقة والكرامة الإنسانية.
وفي خطوة عكست التزامها بدعم الإعلام الهادف وتخليد رموزه خصّصت الجامعة منحة تحمل اسم الإعلامية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة لدراسة الماجستير في الإعلام، إحدى خريجاتها البارزات، وذلك تقديرا لمسيرتها المهنية المتميزة ودورها الريادي في نقل الحقيقة والدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
جاءت هذه المبادرة لتجسد اعتزاز اليرموك بخريجيها الذين تركوا أثرا عميقا في مجالاتهم، ولا سيما في قطاع الإعلام حيث تُعدُّ أبو عاقلة نموذجا للصحفي المهني الملتزم بأخلاقيات المهنة والشجاعة في الميدان.
إن ما تقدمه الجامعة من مبادرات ثقافية وأكاديمية تُعلي من شأن الشهداء وتعزز الوعي بقيم التضحية والالتزام يتواءم مع دور المؤسسات التعليمية في بناء الذاكرة الوطنية والإنسانية فالجامعات ليست فقط مراكز علم فحسب بل منارات للقيم وحاضنات للوعي ومساحات لتكريم الرموز التي صنعت الفرق في مسيرة الشعوب.
إن اليرموك وهي تكرس هذا النهج القيمي الحضاري تطرح فكرا يُحتذى به في ربط التعليم بالمسؤولية الوطنية والإنسانية، وفي تحويل تكريم الشهداء إلى فعل وعي مستدام لا يقتصر على المناسبات إنما يتجذّر في الثقافة المؤسسية.
لذلك تبقى الشهيدة أبوعاقلة في ذاكرة اليرموك بوصفها رمزا خالدا للصحافة الحرة ومثالا للشجاعة المهنية التي لا تنحني أمام الخطر، فكانت صوتاً صادقا نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم وشاهدة على جرائم الاحتلال وانتهاكاته، كما أنها أدّت رسالتها بمهنية عالية، وإيمان عميق بدور الإعلام في كشف الحقيقة واستشهادها أثناء أداء واجبها الصحفي شكّل صدمة للضمير الإنساني.
لم يكن استشهاد أبو عاقلة حدثا عابرا في سجل الإعلام العربي، بل لحظة مفصلية أعادت تسليط الضوء على الحقيقة وثمنها، وعلى المخاطر التي يواجهها الصحفيون، ولذلك جاءت الجائزة بوصفها مبادرة وفاء ورسالة تقدير لصحفية غدت أيقونة للكلمة الحرة والصوت الصادق.
الجائزة بكل معانيها تمثل استحضارا بليغا لسيرة شيرين أبو عاقلة ورسالة واضحة للطلبة والأجيال القادمة مفادها أن الصحافة رسالة أخلاقية قبل أن تكون مهنة تمتهن، وأن الدفاع عن الحقيقة قد يكون مكلفا، لكنه طريق الخلود في الذاكرة الجمعية، كما ويرسخ هذا النهج ثقافة احترام الصحفيين والتأكيد على حقهم في العمل بأمان وحرية.
الحقيقة الصارخة تبقى أن من قتل شيرين لم يكن فردا أو بندقية أو حتى طائرة بل منظومة كاملة دعمت تلك الجريمة وتسترت عليها. منظومة الإفلات من العقاب التي جعلت من قتل الصحفيين ممارسة تجري على الهواء مباشرة دون خشية من محاسبة.
ستظل شيرين أبو عاقلة إيقونة للصحفية الشهيدة التي انتصرت للحقيقة حتى أخر لحظة، وتبقى اليرموك جامعة العلم والوجدان الإنسانمي نموذجا حيّا مقدرا لمؤسسة آمنت بأن الوفاء للشهداء وفاء للقيم وللحرية وللإنسان، وفاء يتخلّد رسالة نبيلة سامية تبنتها اليرموك.












