انجاز-في كل مجتمع، هناك شخصيات لا تُقاس قيمتها بما تملكه من مال أو مكانة، بل بما تزرعه من أثر، وما تخلّفه من طيب الذكر، وما تبنيه من جسور المحبة والاحترام بين الناس.
ومن هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم للعطاء، وصاغوا من أيامهم سيرةً مشرفة تروى على مهل…
يأتي اسم الحاج الوجيه / عبد المجيد عبيدالله الخطاطبة أبو فراس، بهيبته الهادئة، وبصمته العميقة في كل مكان مرّ به.
ولد أبو فراس في بيت كريم الأصل، طيب الذكر، عُرف أهله بالصدق والاحترام، فتشرب منذ نعومة أظفاره القيم النبيلة، وتربّى على مكارم الأخلاق. لم يكن يومًا ممن ينتظرون الدعم أو الاتكال، بل شق طريقه بنفسه، معتمدًا على عزيمته وإرادته، فكان الطالب المجتهد، والعامل المثابر، والرجل الذي يتقن ما يصنع، ويعطي أكثر مما يُطلب منه.
نبوغه لم يكن صدفة، بل ثمرة عقل متقد، وإرادة لا تلين. جمع بين الحزم والمرونة، بين الإدارة الواعية والعمل الدؤوب، حتى صار أنموذجًا في الانضباط والكفاءة. من عرفه عن قرب، أيقن أنه لا يعمل فقط من أجل لقمة العيش، بل يعمل بحب، ويؤدي واجبه بإخلاص، ويرى في كل مهمة يتولاها فرصة ليترك فيها بصمته الخاصة.
وما يزيد من هيبة أبو فراس وجمال سيرته، أنه رجل صاحب خلق رفيع وثقة عالية بالنفس. هذه الثقة لم تأت من غرور، بل من توازن داخلي نادر، ومن احترامه لذاته والآخرين، فبادله الناس المحبة والاحترام، واحتلّ مكانة خاصة في قلوب زملائه ورؤسائه وكل من تعامل معه.
ولأنه يؤمن أن النجاح لا يكتمل إلا في البيت، كان أبو فراس ربّ أسرة حقيقيًا، قائدًا حنونًا ومربيًا حكيمًا. لم يغفل يومًا عن مسؤولياته تجاه أبنائه، بل تابعهم علميًا وأخلاقيًا، ورافق مسيرتهم خطوة بخطوة، فكان نتاج هذا الجهد عائلة مشرّفة، تضم رجل أعمال ناجح، وأطباء مميزين بتخصصاتهم النادرة، ذاع صيتهم بحسن أدائهم وسمعتهم الطيبة. إنها أسرة يُشار إليها بالبنان، عنوانها الجهد والتميز.
وما أجمل أن يحمل الإنسان في قلبه محبة لتراثه وتاريخه، كما يفعل أبو فراس، الذي لم ينفصل يومًا عن هويته، ولا عن ماضي أجداده. فقد كان من أوائل الداعمين والمحبين لمتحف الوهادنة للتراث الشعبي، يتابع مسيرته، ويزوره كلما سنحت له الفرصة، ويتواصل باستمرار للسؤال عن أحواله، حريصًا على نجاحه كحرصه على إرث وطنه.
بل تعدّاه ليكون سفيرًا لهذا المتحف بين الناس، يحدثهم عنه بحب وفخر، ويُحضر إليه شخصيات مهمة وكبيرة من مختلف المناطق، ليعرفهم بهذا الصرح التراثي العابق برائحة الأجداد.
لم يركن أبو فراس للراحة بعد تقاعده من وظيفته ، بل سخر وقته في أعمال الخير، وسعى في إصلاح ذات البين، وكان له بصمات طيبة في حل كثير من الخلافات بين الناس، بروحه المسالمة، وحكمته الراجحة، ولغته الهادئة التي تجمع ولا تفرق، وتقرب ولا تُباعد.
هذا الانسان ليس مجرد شخص عابر في الذاكرة، بل هو قامة إنسانية، ومثال يحتذى به في الرجولة، والإخلاص، والتواضع، والوفاء للأصل والأهل والوطن.
هو صديق صدوق، وأخ كريم، ورجل يستحق أن يُكتب عنه، وأن يُروى سيرته لأجيال قادمة، ليعرفوا أن النجاح ليس فقط في المنصب، بل في الأثر…
أبو فراس ليس مجرد صديق وحسب …بل قصة وفاء، ورمز أصالة، ونموذج يُحتذى به في الإنسانية، والنجاح، وحب الوطن والتراث.
له منا كل الشكر والتقدير والمحبة، ونسأل الله له تمام الصحة، وطول العمر، ودوام العطاء والخير.
… … مؤسس متحف الوهادنة للتراث الشعبي
… … الباحث / محمود حسين الشريدة