المقال الافتتاحي لمجلة افكار في عددها الجديد رقم 438 الصادرة عن وزارة الثقافة الاردنية
التضليل الاعلامي في عصر الذكاء الاصطناعي والاتصال الرقمي
ا.د.تيسير أبو عرجة
إن الاعلام في جوهره رسالة. وهذه الرسالة تحتاج إلى براعة في التصميم يمكنها من النجاح والتأثير. وهي تنجح إذا كان المصدر يتمتع بالثقة. والمعلومات تتسم بالدقة والسلامة. ولعل من مهام الاعلام المحافظة على استقرار المجتمع. والمساعدة في إحداث التغيير المطلوب إلى الأفضل. والقيام بأداء المهام والوظائف المنوطة به مثل: الأخبار والشرح والتفسير والحوار والنقاش والتثقيف والتوعية والتنمية الخ. ووسائل الإعلام لها دور معلوم في التأثير على الرأي العام والمساهمة في تكوينه. وتأثيرها تراكمي يتسم بالتكرار والشمولية. والمعروف أن لكل وسيلة إعلامية ميزات معينة. وقد بقي التلفزيون لمرحلة طويلة صاحب التأثير الأكبر بين هذه الوسائل.
إن الاعلام يمتلك أدوات التأثير والتوجيه والاقناع. ويمتلك القدرة على تسليط الضوء على القضايا الحيوية في المجتمع. كما أنه يعد أداة مهمة من أدوات الدعاية السياسية والحرب النفسية التي تزداد اشتعالا في الأحداث الساخنة وفي الحروب الفعلية. لأن من يديرونها يهدفون إلى كسب الحرب مستخدمين كافة الأساليب والوسائل. وتقوم هذه الحرب على الدعاية بكافة أشكالها وألوانها. وعلى الشائعات. وافتعال الأزمات. وإثارة الرعب. وكما أن هناك إدارة سياسية وعسكرية للصراع. فإن هناك إدارة اعلامية لا تقل عن سابقتيها أهمية. لأنها تتصل بالقتال المعنوي. وتوظّف وسائل الإعلام توظيفا عاليا لمصلحة الفوز على الطرف الآخر .
إن الحرب النفسية تعتبر إرادة قاتلة لتحطيم الضمير المعنوي في الخصم . والسعي لخلق الانهيار لديه. وهي تستخدم وسائل الاتصال والتواصل كافة.
ويلاحظ أن الحرب النفسية وأدواتها المختلفة تسعى إلى خلق الآراء أو تغييرها أو تثبيتها. وهي تهدف إلى التوجيه النفسي الجماعي . وتستغل الأجواء التي يسودها انعدام الأمن أو التوتر أو القلق أو التعطش إلى الأخبار. وهي تنجح بمقدار قدرتها على الاجتذاب والتأثير والقدرة على الاقناع . وتستغل قابلية الانسان للتأثر بالشعارات والكلمات وعنصر التكرار .
إنّ التضليل الاعلامي الذي نجد له نماذج كثيرة ماثلة أمامنا اليوم خصوصاً في الحرب الصهيونية على غزة وفي الحرب الصهيونية مع ايران . لا ينفصل عن الدعاية السياسية. وقواعدها وأساليبها ومنطلقاتها في المبالغة والحذف والتحريف ونشر الشائعات واختلاق الأكاذيب وفبركة القصص الاخبارية.
وإذا كانت هذه الأساليب تعتبر قديمة من حيث المعاني والأهداف. فإن الذي يتجدد الآن هو الأسلوب والوسيلة. من وسائل الإعلام التقليدية. مطبوعة ومسموعة ومرئية. إلى الاعلام الجديد الالكتروني والرقمي الذي يرتبط بثورة الانترنت والتكنولوجيا الرقمية. إلى كافة المستحدثات التي أنتجتها التكنولوجيا المعاصرة من وسائل النشر والتواصل. إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت لها وظائف مهمة في المجال الاعلامي. وتتيح آفاقا واسعة من التطور في الاستخدامات الاعلامية لجهة تحليل البيانات والروبوتات الصحفية والبرامج الذكية التي تساعد في انتاج الاخبار والمواد المصورة. علما بأن هذه الأدوات يلحق بها استخدامات سلبية. تتمثل في نشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة أو الزائفة. وهو الأمر الذي يتطلب الدقة في المعالجات التحريرية. والتحقق من سلامة المعلومات. والحرص على عدم اختلاط السليم بالخاطئ من هذه المعلومات. ومواجهة غياب الضوابط المهنية والاخلاقية في كثير من الأحيان.
ولعل التضليل الاعلامي الذي مارسته الدولة الصهيونية في الحرب على غزة. بعد أحداث السابع من أكتوبر . منذ اليوم الأول لتلك الأحداث. ما يزال ماثلاً أمامنا . من خلال القصص الاخبارية المفبركة. والفيديوهات المزورة. وأحاديث الحرق والقتل والتنكيل. وهي أمور مجافية للحقيقة. ولكنها تضليل متعمد الهدف منه التحريض ضد الشعب الفلسطيني. والحصول على العون والتأييد الغربي. والزعم بأن ما يجري هو حرب بين النور والظلام. وبين الحضارة والتخلف. ولو تساءلنا كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تمارس التضليل الإعلامي فإن بامكاننا أن نورد الاساليب الاتية:
– القيام بحجب المعلومات
– تشتيت انتباه الجمهور
– اشغال الرأي العام بقضايا هامشية
– التركيز على الإحباط والسلبية وكل ما يساهم في إضعاف المجتمع
– الميل إلى التسطيح ونشر اللامبالاة والمساهمة في تدهور الذوق الثقافي العام
– اجتزاء التصريحات والتركيز على جوانب معينة من الوقائع والاحداث وإغفال جوانب أخرى
– تجاهل الأحداث كليا في بعض الأحيان
– اتباع أسلوب،، إعلام الموقف،، بمعنى أن كل ما يتصل بالعرب والمسلمين يجب أن ينتقص من قدرهم ومن شخصيتهم القومية. لأنهم مصدر الخوف والتخلف والارهاب. هكذا بدون قراءة واقعية متأنية لوقائع الأحداث.
وأرى في هذا المقام أنه من الضروري للتحصين الذاتي والمجتمعي في مواجهة التضليل الإعلامي. أن أقدم هذه الملاحظات:
– أهمية الوعي بالاعلام. وضرورة ترسيخ مفاهيم التربية الاعلامية. من أجل تعزيز القدرة على غربلة ما يتم بثه في وسائل الاعلام.
– أهمية دور المنظمات والهيئات الثقافية والاجتماعية والسياسية في بث الوعي السياسي والثقافي لدى الأفراد والأعضاء المنتسبين لهذه الهيئات.
– أهمية التثقيف الجاد لدارسي الاعلام في الجامعات العربية خصوصاً في الفكر السياسي والتاريخ وطبيعة الحركات السياسية والفكرية المعاصرة وفلسفاتها ومناهجها.
– أهمية الاستعانة بالعلماء والخبراء والمتخصصين عند تصميم الرسائل الاعلامية. خصوصا تلك الرسائل الموجهة إلى الاعلام الدولي.
– الحاجة إلى إعداد الاعلاميين المتخصصين تخصصا دقيقا في شؤون الفكر والسياسة العربية والدولية . والقضايا المحورية التي تهم الانسان العربي مثل القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية والحركات السياسية والدينية. وأحوال دول الجوار.
– الاهتمام بالوجود الاعلامي العربي على الساحة الدولية. وبيان المنظور العربي للقضايا الجوهرية. وكذلك الرواية العربية للقضية الفلسطينية. بشرط أن تكون اللغة الاعلامية العربية موحدة وليست منقسمة تجاه هذه القضايا الاساسية.
– أهمية وضع استراتيجية للنهوض بالاعلام العربي. تهتم باختيار الكفاءات. والتدريب المستمر. واختيار الإدارات الاعلامية الكفؤة . وتعزيز الحريات الاعلامية. والعناية بوجود قنوات تلفزيونية فضائية باللغات الأجنبية.