من يراقب المشهد الزراعي الأردني في العقد الأخير يلمس تغيراً ملموساً في الرؤية والأداء لا سيما في ما يتعلق بآليات تمويل المشاريع الزراعية وسبل دعم صغار المزارعين وهي مسؤولية حملتها مؤسسة الإقراض الزراعي على عاتقها بجدارة لتتحول من مؤسسة تقليدية إلى ذراع تمويلي تنموي فاعل ينسج خيوط الثقة بين الدولة والمزارع ويمنح الأمل في ظل التحديات المناخية والاقتصادية الصعبة .
بقيادة المدير العام المهندس محمد دوجان استطاعت المؤسسة أن تنفض عن نفسها غبار البيروقراطية وتنطلق في مسارات جديدة تتجاوز المفهوم الضيق للإقراض نحو فلسفة شمولية ترى في كل دينار يمنح للمزارع بذرة تزرع في أرض الوطن فالرؤية التي تقود المؤسسة اليوم تؤمن بأن تمكين الفلاح يعني تمكين الوطن وأن المزرعة الصغيرة قد تحمل في تربتها ما تعجز عنه كبرى المشاريع إن حظيت بالدعم المناسب.
وما يميز المرحلة الراهنة هو التنوع الكبير في برامج الإقراض التي طالت معظم القطاعات الزراعية من الزراعة المروية إلى الثروة الحيوانية ومن مشاريع التصنيع الغذائي إلى الطاقة الشمسية للمزارع والأهم من ذلك هو التوجه نحو تيسير الشروط وتبسيط الإجراءات وتوجيه القروض نحو الفئات الأقل حظاً بخاصة الشباب الباحثين عن فرص خارج طوابير الوظيفة والمرأة الريفية التي كانت لسنوات خارج دائرة التمكين .
هذا التحول الاستراتيجي لم يكن ليتم لولا الإسناد السياسي والإداري المباشر من معالي وزير الزراعة الذي لم يكتف بالخطابات بل جعل من تطوير الإقراض الزراعي أولوية حقيقية على أجندة الوزارة فكانت توجيهاته الدائمة بأن يكون التمويل وسيلة لتكريس العدالة الاجتماعية وتعزيز الأمن الغذائي لا مجرد ملف إداري وقد لمسنا في الميدان هذه الإرادة من خلال الزيارات الميدانية وتوجيهاته لتوسيع الفروع وتسريع الإجراءات وتذليل العقبات أمام المزارعين .
لقد تحولت مؤسسة الإقراض الزراعي إلى مركز تنموي في قلب الريف لا يقتصر دورها على تقديم القروض بل يشمل التوعية والتدريب والربط مع الأسواق مما يجعلها حجر الزاوية في استراتيجية الدولة لتعزيز الاعتماد على الذات وتحقيق التنمية المتوازنة .
ومن هنا فإن المحافظة على هذا الزخم وتحفيز الكوادر الميدانية وتطوير الأنظمة التقنية والتشريعية يجب أن يكون أولوية وطنية لأننا أمام نموذج حي لإصلاح قطاعي ناجح يجب البناء عليه وتعميمه .
في النهاية نحن لا نتحدث فقط عن أرقام وإحصاءات بل عن قصة نجاح حقيقية يراد لها أن تستمر ترويها وجوه المزارعين في القرى والبوادي الذين أعادت لهم المؤسسة الأمل والثقة في أن الدولة إلى جانبهم وأن من يزرع اليوم يجد من يسنده ويشجعه ويؤمن بمشروعه .
فكل الشكر لمن آمن بأن الأرض لا تخون من يزرعها ولمن جعل من مؤسسة الإقراض الزراعي نبضاً للحياة في جسد الريف الأردني.