نضال منصور يكتب :
مرت 79 عاما على استقلال الأردن، وماضون بثبات رغم الحرائق في الإقليم في صناعة مستقبل وطن زاهر.
نحتفي بفخر في عيد الاستقلال، نحتفي بالجيش العربي المجيد، ونعلي هاماتنا بعامل وطن يكد لرفعة بلاده، وبشرطي سير لا يكل ولا يمل للحفاظ على السلامة، والأمان في شوارعنا، ونعتبر ذكرى الاستقلال فرصة لاستعراض ما مرت به البلاد من تحديات، وكيف استطاعت أن تبني منجزا في ظل ظروف صعبة، وموارد محدودة، وأن تشق طريقا للنجاة، حين سقطت في الاختبار دول كان يشار لها بالبنان؟
الاستقلال لم يكن يوما احتفالات، وأعلاما، وألعابا نارية فقط، ثم ينفض السامر، وننتظر عاما آخر يأتي، لنعيد ذات المشهدية، وإنما نرى أن الاستقلال أكثر من ذلك بكثير، فهو فرصة جادة للمراجعات لنتجاوز عثراتنا، ونقيم مسيرتنا، ونواجه إخفاقاتنا، ونبني، ونراكم على قصص النجاح، لتظل رايات الوطن خفاقة.
في السنوات الأخيرة وجه الملك الحكومات للمضي في ثلاثة مسارات لتحقيق النهضة، إصلاح اقتصادي، وآخر سياسي، وثالث إداري، وفي عيد الاستقلال من واجبنا أن ندقق في الواقع لنعرف ماذا أنجز في هذه المسارات، بعيدا عن شعارات براقة، وبروبغندا لا تغني ولا تسمن من جوع؟
أدرك أن الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق بين ليلة وضحاها، وهي مراكمة لتشريعات، وسياسات، وممارسات، وان العديد من المتغيرات الخارجية قد توقف، او تتسبب في تأخير قطاف النتائج مثل قرارات الرئيس الأميركي ترامب في تعليق المساعدات للأردن، وكذلك حرب الإبادة على غزة التي عطلت حركة السياحة، وأرجأت العديد من المشاريع، ولكن ما يستوقف الكثير من المتابعين ان بعض القرارات الاقتصادية لا تنسجم مع توجهات الاصلاح، وانما تعصف به، ولن تفضي يوما الى تحقيق الازدهار، والرفاه للمواطنين.
اتفهم ان للاصلاح الاقتصادي كلفا ربما مالية، ولكن مسار التحديث والاصلاح السياسي يحتاج فقط إرادة سياسية حاسمة، وأن نكون واثقين انه سيساهم في تعزيز مسارات الإصلاح الاقتصادي، والإداري.
التردد، والتلكؤ في حسم توجهات الإصلاح السياسي تعيدنا الى المربع الاول، وعماد هذا المسار اطلاق العنان للعمل السياسي، والنيابي، والانتخابات الاخيرة التي اعطت القيادة للأحزاب السياسية يجب أن تكون مرتكزا لأحزاب سياسية مستقلة، وليست دمى، وتكون رافعة اساسية في السلطة، والمشاهدات، والتجربة حتى الآن غير مرضية، وقناعات الاردنيين والاردنيات في معظم الاحزاب التي تشكلت انها «فقاعات»، لن تقدم في مسيرتنا، وربما يكون ذلك حكما متعجلا، فالتجربة الحزبية لا تعطي أوكلها بين ليلة وضحاها، ولكن الأحزاب بعد الانتخابات تكاد تكون قد تلاشت، وفي حالة سكون، ورقابتها على السلطة التنفيذية غائبة.
المطلب الأساس للنهوض بالإصلاح السياسي في البلاد توسيع هوامش الحريات، وصيانة حقوق الإنسان، فهي المدخل لأحزاب مستقلة فاعلة، ودونها لن تحدث نقاشات جدية في الفضاء العام.
لعقود طويلة تراكمت إخفاقات في ملف الإدارة، وساد نمط من التنفيع، وطغت البطالة المقنعة، وترهل الأداء في المؤسسات العامة، ولا بد من إعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون في كل التعاملات، والإجراءات، ومعيب أن ترى موظفا يعطل مسارا للتحديث الإداري لأن الرقابة غائبة، والمزاجية تسود، والمصالح تعمّ على حساب الحق، والمواطنة لا تسودها معايير العدالة.
الإصلاح الإداري يريد حزما، وإنصافا، ومسطرة موحدة، وليست معايير مزدوجة، وانتقائية، فالأردن الذي كان مضربا في جودة الإدارة لم يعد كذلك، والأردن الذي كان سبّاقا في جودة الخدمات، للأسف لم يعد كما كان، ويكفي نظرة فاحصة، ونقدية لمستوى خدمات التعليم، والصحة، والنقل العام.
هكذا نحتفل في الاستقلال بمراجعة نقدية جادة دون جلد للذات، وإنما تبصر من أجل دعائم ثابتة للمضي للمستقبل معتمدين على الذات.