مخاوف من تفشي شراء القوائم الانتخابية
ما تزال معضلة تشكيل قوائم مكتملة للانتخابات النيابية المقبلة قائمة، ويعاني منها الراغبون بالترشح، أفرادا وجماعات وأحزابا بكل أطيافها، وهو ما أخر الإعلان عن إنجاز بعض القوائم الحزبية والمستقلة، على حد سواء، بحسب متابعين.
وتبرز يوميا معضلات جديدة، يتمثل بعضها في مشكلة تنقل مرشحين مفترضين بين القوائم، وإعلان آخرين نيتهم الترشح، على أمل ضمهم إلى قائمة انتخابية دون أن تكون لديهم رغبة بالفوز، وهو ما يطلق عليه ‘شراء مرشحين لتعبئة قوائم’.
وكانت الهيئة المستقلة للانتخاب أشارت إلى هذه الظاهرة، معتبرة أنها ‘تدخل في باب المال السياسي’، بيد أنها لم توضح إن كانت القائمة هذه أو تلك قد تشكلت ليتم بيعها لاحقا لمرشحين مفترضين أقوياء، أو الاستفادة منها ماليا.
وما يجري اليوم على الأرض، يشير إلى أكثر من حالة وطريقة يمكن أن تصنف أنها تدخل في باب ‘المال الأسود (السياسي)’، حيث تتمثل الطريقة الأولى بدخول مرشحين مفترضين في قوائم وحصولهم على مال لهذا الغرض، والثانية، انتقال مرشحين مفترضين من قوائم كانوا فيها لأخرى لقاء حصولهم عل مبالغ معينة.
أما الطريقة الثالثة فتتمثل بتشكيل قائمة كاملة، على أمل أن تتلقى تلك القوائم مالا من مرشحين مفترضين للانسحاب، والرابعة تتضمن تشكيل قائمة انتخابية من 3 أعضاء، وهو الحد الأدنى للقائمة، وبعد أن يتم تسجيلها وإغلاق الترشيح ينسحب اثنان منها، فتبقى القائمة مشكلة من مرشح واحد فقط، والخوف أن يكون انسحاب الاثنين الآخرين من القائمة نابعا من تلقيهما مالا لهذا الغرض.
كل ما ذكر يدخل في باب ‘المال القذر’، الذي يمكن أن يظهر في الفترة الحالية.
وفي هذا الصدد كان الأمين العام للهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور علي الدرابكة، قال إن الهيئة ‘لا تستطيع منع انتشار المال السياسي قبل العملية الانتخابية وأثناءها، وإنما تستطيع الحد من ذلك عبر سلسلة من الإجراءات وردت في القانون’.
ونوه إلى الظواهر التي تمت الإشارة إليها، فقال إن المال السياسي ‘بدأ يأخذ شكلا جديدا في هذه الانتخابات، عن طريق عملية شراء القوائم’، منوها إلى أنه ‘من الممكن أن تشكل العشيرة الكبيرة قائمة واحدة من أبنائها ليضمنوا مقعدا واحدا، ويشكل آخرون قائمة ضدهم مقابل آلاف الدنانير لتشتيت أصواتهم وتغيير إرادتهم أو حجبها’، فيما أكد أن هذا الأمر ‘يمثل شكلا جديدا من أشكال المال الأسود’.
وكان قانون الانتخاب أفرد مواد كثيرة لمعالجة ظاهرة ‘المال القذر’ أو ‘المال الأسود’، بيد أن البعض يتحايل على مواد القانون عبر إجراءات كثيرة ومختلفة.
وتقول المادة 59 من قانون الانتخاب إنه ‘يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات كل من أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص، أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع، وقبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغا من المال أو قرضا أو منفعة أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع’.
والأمر الجلي أن قانون الانتخاب أفرد مواد قانونية للحد من ظاهرة المال الأسود، بيد أن تلك المواد تظهر في بعض المفاصل وأمام بعض المعطيات غير مجدية، وهو الأمر الذي يجب مراقبته بهدف منع تفشي ظاهرة شراء القوائم، والحد منها، خوفا على سلاسة وسلامة وشفافية العملية الانتخابية.
وربما يعزز من رواج ظاهرة أو فكرة شراء القوائم أو خلافه من ظواهر قد تظهر لاحقا، وجود صعوبة من قبل راغبين بالترشح في إتمام قوائمهم الانتخابية، الأمر الذي يعزز من فرضية انتقال مرشحين مفترضين من قائمة إلى أخرى سعيا وراء المال.
وتراهن الهيئة المستقلة للانتخاب على وعي المواطنين للحد من ظاهرة المال الأسود، حيث دعت ‘للحذر من المتصيدين للفرص والانتهازيين الذين يستغلون حاجات الناس، أو يسعون لإفساد عملية الانتخاب بالتأثير على إرادتهم مقابل المال’، ودعت إلى ‘عدم التعامل معهم والإبلاغ عنهم’.
وتجدر الإشارة، إلى أن عملية الترشح للانتخابات تبدأ في الفترة من السادس عشر إلى الثامن عشر من الشهر الحالي، وحتى ذلك التاريخ فمن الطبيعي أن تبقى القوائم الانتخابية عرضة للسحب والإضافة.
وبطبيعة الحال، ليس كل سحب أو إضافة في هذه القائمة أو تلك يعتبر مالا أسود، لكن ذلك لا يعني التراخي عن رصد الحالات على الأرض ومتابعة ما يجري، وعدم السماح بتوسعه، خوفا من أن يؤثر على سلامة العملية الانتخابية.الغد