كتب: معين المراشده * –
في مسيرة الأوطان، ثمة رجال يتركون بصماتهم ناصعة في صفحات التاريخ، مهما حاولت الأيام أن تُغيّب أسماءهم أو أن تُخفي أثرهم، يبقون حاضرين في الذاكرة والوجدان. ومن بين هؤلاء الدكتور مازن محمد نزال العرموطي، رائد الصحافة والإعلام في جامعاتنا الأردنية، وأول من حمل شهادة الدكتوراه في هذا الحقل العلمي الدقيق، ليعود إلى الوطن أوائل ثمانينيات القرن الماضي حاملاً شغف الريادة، وعزيمة البناء، ورؤية المستقبل.
منذ أن وطئت قدماه رحاب جامعة اليرموك، خطّ ملامح نهضة إعلامية سبّاقة، فأسس أول قسم للصحافة والإعلام في الأردن، وفتح آفاقاً واسعة لطلبته بثلاثة تخصصات (الإذاعة والتلفزيون، والعلاقات العامة، والصحافة). ثم أطلق صحيفة “اليرموك”، التي شكّلت منصة تدريبية وإبداعية حقيقية، جمعت بين النظرية والتطبيق، وخرّجت جيلاً من الإعلاميين الذين تسلّموا مواقع قيادية، ورفعوا اسم الأردن في المحافل الإعلامية العربية والعالمية.
ولم يكن عطاؤه الأكاديمي وحده ما يميز مسيرته، بل امتد أثره إلى الثقافة والفنون، حين حمل على عاتقه مسؤولية إدارة مهرجان جرش في سنواته الأولى، فكان مع طلبته وزملائه أحد أبرز صانعي هذا الحدث الثقافي الوطني، الذي أصبح علامة مضيئة في سجل الأردن الحضاري.
أشهد شخصياً أنني تعاملت مع الدكتور العرموطي في العام 1984، إبّان عمله مديراً لدائرة الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، وفي الوقت نفسه مديراً لمهرجان جرش للثقافة والفنون. كان وقتها مثالاً للأستاذ المربي والقائد الإداري، يغمر من حوله بدماثة خلقه، ورعايته، وحسن توجيهه. وقد حظيتُ بفرصة العمل معه عندما كنت أرأس فريقاً صحفياً لتغطية نشاطات مهرجان جرش لصالح مجلة “الاثنين” الأردنية الأسبوعية، فوجدت فيه الداعم والمعلم، والمشرف الحريص على أن ينجح الجميع لا أن ينجح وحده.
اليوم، ونحن نستعيد سيرته العطرة، ندرك أن ما قدّمه الدكتور مازن العرموطي لم يكن مجرد عمل وظيفي أو موقع إداري، بل كان رسالة حياة، حملها بصدق وإيمان، وأورثها لأجيال من الإعلاميين الذين مدّوا جسور الكلمة الحرة والصورة المشرقة.
إن الأوطان التي تُنكر رموزها تخسر ذاكرتها الحقيقية. ومازن العرموطي سيظل في الذاكرة حياً، لا لأنه أول من أسس، بل لأنه أول من آمن أن الإعلام رسالة وضمير، وأن بناء الإنسان هو أثمن ما يمكن أن يقدمه المربي والأكاديمي.
الذاكرة لن تنساه… فقد ترك من النور ما لا تطفئه السنون.