بقلم الأستاذ الدكتور حابس الزبون رئيس جامعة جدارا
في الرابع عشر من تشرين الثاني من كل عام، لا نحتفي بمجرد ذكرى وطنية عابرة، بل نستدعي تاريخًا متجذرًا في وجدان الأردنيين، ونتأمل سيرة رجلٍ صنع للأردن هويته الحديثة، ورسم ملامح دولته الراسخة، وغرس في القلوب حبًّا لا يذبل: المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه. فقد كان الحسين أكثر من ملك؛ كان أبًا وقائدًا ومعلّمًا وملاذًا، حاملاً رسالة وطنية خالدة.
حين نذكر الحسين، نذكر قائدًا حمل الأردن في قلبه قبل أن يحمله على كتفيه، قاد سفينته بحكمة وإرادة لا تلين، وعزيمة مستمدة من أصالة شعبه وإيمانه بأن الأردن، مهما اشتدت العواصف، يظل عصيًا على الانكسار. كان الحسين – رحمه الله – رجل دولة ثابتًا كالجبال التي أحبها، نقيًّا كسماء وطنه، وقريبًا من الناس كنبض في عروقهم. لم يكن حاكمًا يعتلي العرش من بعيد، بل يمشي بينهم، يسمع أنينهم، يشاركهم همومهم، ويضمّد جراحهم بكلمة صادقة أو لمسة أبويّة.
علّم الحسين أبناء وطنه أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان والعدل والخُلُق والإنسان، وأن بناء الدول يتم بعرق الرجال الشرفاء، لا بالمظاهر أو الشعارات. وعلّمنا أن الأردن، رغم محدودية موارده، قادر على النهوض، لأنه يمتلك أثمن ثرواته: الإنسان الأردني الواعي، الشجاع، الوفي، القادر على الإنجاز مهما كانت التحديات.
وميلاد الحسين ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل وقفة خشوع أمام مسيرة قائد حمل الأمانة أربعًا وأربعين عامًا، بذل روحه قبل جهده، ورسم للأردن مكانته بين الأمم. أثبت أن القيادة الحقة تصنع من الوطن أسرة واحدة، ومن الشعب قوة واحدة، ومن المستقبل وعدًا يمضي بثقة نحو الأمام.
في جامعة جدارا، نتأمل سيرة الحسين كما نتأمل صفحات كتاب عظيم في الحكمة والسياسة والإنسانية، نستقي منها يقينًا بأن العلم هو سلاح الأمم، وبأن بناء الإنسان هو أساس النهضة، وأن الطريق إلى المستقبل يمر عبر بوابة المعرفة والعطاء. هذه هي القيم التي غرسها الحسين في بنية الدولة الأردنية، فغدت راسخة في ضمير الوطن.
ورغم رحيله جسدًا، ظلّت روحه ترفرف فوق سماء الأردن، تسكن في وجدان أبنائه، وتضيء دروبهم كلما اشتدت عليهم الخطوب. بقيت سيرته منارة تهدي، وشمسًا لا تغيب، وقصة وطنٍ كُتبت بالعرق والدم والوفاء. وبقي الأردنيون على العهد:
• عهد الانتماء،
• عهد الولاء،
• عهد البقاء على نهج الحسين… نهج الكرامة والإنسانية والوفاء للوطن.
واليوم، يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين – حفظه الله ورعاه – مسيرة والده الخالد، حاملاً الأمانة كما يُحمل القلب في الصدر، ومترجمًا وصايا الحسين إلى أفعال ومواقف وإنجازات. فقد ورث عن الحسين شجاعة القرار، وعمق الإيمان، وصدق الانتماء، وحنكة القيادة. وقد أثبت عبدالله الثاني في كل محطة من محطات الوطن أنه قائد يمضي بثبات نحو مستقبل يليق بالأردنيين، ويبني على إرث الحسين دولة راسخة، آمنة، وعزيزة، تستظل براية الهاشميين الخفاقة.
في ذكرى ميلاد الحسين الباني، نجدد الدعاء لروحه الطاهرة، ونجدد البيعة والوفاء لابنه الأمين، جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يقود الأردن نحو آفاق العزّ والازدهار.
رحم الله الحسين… وحفظ الله الأردن… وأدام على وطننا نعمة الأمن ورفعة الراية.
حكم الأردن 47 عامًا، واستلم العرش عام 1953.












