د.ذيب القرالة
تطورات الاوضاع في سوريا ، خلال الايام الماضية ، نتطلب ليس تفكيرا هادئا ، بل عصفا ذهنيا ( صاخبا ) في محاولة لقراءة المشهد ، بصورة مبكرة، من اجل ان تاخذ كل الاطراف (المعنية) الفرصة لاتخاذ (فعل) بدلا من الانتظار للتعامل مع النتائج بطريقة ( رد الفعل ) التي تضيع على اصحابها الكثير من ( الفُرص) بمفهومها السياسي الشامل.
وحتى لا ننسى، فقبل اقل من شهرين، حذر وزير الخارجية الامريكي ، من ان سوريا ( ربما ) ستكون على بُعد اسابيع من انهيار امني واسع قد يتطور الى حرب اهلية، واليوم نشهد بوادر تطورات قد تقود – في حال استمرارها وانتشارها – الى تلك النتيجة.
وعليه فمن المنطقي ان نتساءل ،، هل مصدر معلومات الوزير الامريكي ، كانت نتيجة استخلاصات لقراءة متعمقة في المشهد السوري، اما ملخصا لخطط جاهزة للتنفيذ في ادراج اجهزة استخبارات في (واشنطن وتل ابيب )، قادرة على تنفيذها ، عندما يُتخذ القرار السياسي بشأن تفعيلها؟.
وعندما نشاهد (الاندفاع) الامريكي الايجابي تجاه دمشق، والتي كان اخرها تحذير اسرائيل من التعرض للجيش السوري في محيط السويداء ، نعجب ونحن نرى تجاهل اسرائيل التام لهذه التحذيرات ، وقصفها بعد ذلك بساعات لمقر هيئة الاركان في قلب دمشق، فَمن يقود من، اسرائيل
ام امريكا؟.
ورغم كل التطمينات والتسهيلات والخطوات ، السياسية ، التي قدمتها دمشق لاسرائيل، الا ان تل ابيب لم تقابل ذلك الا بمزيد من انتهاك السيادة السورية، وقضم مزيد من الارض، والسيطرة على الاجواء ، والتدخل في شؤونها الداخلية وآخرها السويداء ،وجعل منطقة الجنوب السوري
( ساحة نفوذ ) و ( حديقة خلفية ) لها ، فماذا تريد اسرائيل اكثر من ذلك من سوريا؟.
في حوار هاتفي مع صديق في واشنطن احول تطورات الاوضاع في سوريا ، سألته اليس امريكا تسعى الى ترسيخ الاستقرار في سوريا ؟ فما الذي يجري ؟ فقال ( نعم ، ولكن ،، فاذا كان استقرار سوريا من وجهة نظر الدول العربية ، يأتي عبر وجود ( دولة موحدة ) ، فربما )
الاستقرار ) بالنسبة لاسرائيل يأتي من تكريس حالة (
الفوضى ) او ( التقسيم).
وعليه، فان تطورات الاوضاع في السويداء ، قد تكون (
بروفة ) بالذخيرة الحية ، لما يمكن ان يكون عليه الحال مستقبلا ، ولنا ان نتخيل لو ان ما يجري في السويداء ، تزامن مع احداث مماثلة مع الاكراد في شمال شرق سوريا ، ومع احداث ساخنة في الساحل السوري ، فهل تملك الادارة السورية في دمشق ، القدرات العسكرية والامنية والاقتصادية واللوجستية والغطاء السياسي ، للسيطرة على الاوضاع في مختلف الجغرافيا السورية؟.
الحديث عن مستقبل سوريا ، لا يتوقف ( في الغُرف المظلمة ) التي تخطط لاعادة رسم جغرافيا المنطقة ومصادر القوة والتهديد فيها ، عند شؤون سوريا الداخلية، بل يمتد الى دورها كمركز في التأثير بدول الجوار ( العراق ولبنان ) ، وهناك تقارير متناسلة ، وافكار تُناقش حول ، مواجهة (
طائفية ) قادمة لا محالة مع قوات الحشد الشعبي العراقية، وحزب اللّٰه ، فهل ما يجري حاليا هو ( متطلب اجباري )
للوصول الى تلك الغاية؟.
ولان طرح الاسئلة ، هو الذي يُحفز الفهم ، ويُعمق الاجابات ، فان على الاردن الذي يرتبط بحدود طويلة ومرهقة مع جنوب سوريا، وعلاقات متشابكة مع مكوناته ، ان يضع في حساباته، امكانية حصول مثل هذه التطورات ، وان يبدأ منذ الان ، باتخاذ خطوات تحمي امنه الوطني، فالذكي لا يُلدغ من ذات الجر مرتين.
ان المبادرة لتعزيز التأثير والحضور الاردني في ملف الجنوب السوري ( سياسيا وامنيا واجتماعيا ) هي ( ضرورة )
وليس ترفا ، وهو أمر متاح يتطلب ( الاقدام ) بدل ( الإحجام ) ، و( الاشتباك ) بدل ( الانفكاك ) فعندما يتحرك الجميع ، فلا معنى للسكون والانتظار ،، لان هناك من سيأتي يملأ الفراغ ، ولانك وحدك من سيدفع ( الفاتورة )
في نهاية المطاف.