بقلم: — فلاح القيسي
يقال إن الوعي نور، لكنه أحيانًا يتحول إلى عبء ثقيل يرهق صاحبه، حتى ليبدو كجحيم داخلي لا يهدأ. فحين يمتلك الإنسان وعيًا عميقًا بما يجري حوله، يرى الخلل والفساد، ويدرك حجم الفجوة بين الشعارات والواقع، ويتلمس التناقضات في السياسات والممارسات. عندها يعيش في صراع دائم بين قناعته بضرورة التغيير وبين قسوة الواقع الذي يفرض الجمود، فيجد نفسه محاصرًا بقلق الأسئلة التي لا تجد جوابًا، وبألم الحقيقة التي لا تجد إصلاحًا.
وعلى الطرف الآخر، يبدو الجهل في ظاهره “نعيمًا”؛ فهو يريح أصحابه من مشقة التفكير، ويبعدهم عن عناء التساؤلات الكبرى، ويمنحهم بساطة العيش في عالم ضبابي لا يرهق الروح ولا يستنزف العقل. لهذا قيل قديمًا: “من عرف أكثر تألم أكثر ،، وكأن الغفلة دواء مؤقت يسكن الأوجاع.
لكن، وعلى الرغم من هذا التباين، يبقى الوعي ضرورة لا غنى عنها. فالمجتمعات التي تختار الغفلة تعيش في سكون قاتل، أما تلك التي تحتمل جحيم الوعي فهي القادرة على صناعة التغيير ورسم المستقبل. إن الوعي، وإن أتعب الأفراد، هو طوق النجاة للشعوب، والجهل، وإن منح راحة عابرة، يظل قنبلة موقوتة تنفجر في وجه الجميع.
في النهاية، الخيار واضح: أن نحيا براحة زائفة في ظل الجهل، أم نحتمل جحيم الوعي لنصنع نعيما جماعيا أوسع وأبقى.