بين الجريمة والاضطراب: لا تخلطوا الأوراق
بقلم د. ناديا محمد نصير
في عصرٍ تتزايد فيه الوعيّات النفسية، ظهرت مشكلة من نوع مختلف: التبرير المفرط للسلوكيات المؤذية تحت غطاء “المرض النفسي”. كم مرة سمعنا بعد حادثة عنف أو خيانة أو تحرّش عبارة: “أكيد مريض نفسي!”، وكأن المرض النفسي أصبح التفسير الأسهل لكل فعل لا يُعجبنا. هذا التبسيط مضر وخطير.
المرض النفسي، وفق التشخيص العلمي، هو حالة معقّدة تؤثر على التفكير أو الشعور أو السلوك، وقد تجعل الشخص يعاني في علاقاته أو حياته اليومية. لكنه لا يعني بالضرورة فقدان السيطرة، أو ارتكاب جرائم، أو تعمّد الأذى. في الحقيقة، النسبة الأكبر من المرضى النفسيين لا يُشكّلون خطرًا على أحد، بل يعانون في صمت، ويحتاجون إلى دعم لا إلى شيطنة.
في المقابل، هناك أشخاص يرتكبون أفعالًا عنيفة أو مؤذية بكامل وعيهم، ويملكون القدرة على التمييز بين الصح والخطأ، لكنهم يختارون الأذى لأسباب أنانية، انتقامية، أو سلطوية. هؤلاء لا يعانون من اضطراب نفسي، بل من خلل في القيم والضمير. التلاعب، الكذب، الاستغلال، ليست أعراض مرض نفسي دائمًا، بل أحيانًا سلوكيات متعمدة نابعة من شخصية اختارت الأذى.
حين نخلط بين المجرم والمريض، نظلم الطرفين: نزيد من وصمة المرض النفسي، ونقلل من مسؤولية الجاني. والأسوأ من ذلك، نفتح باب التهرب من المحاسبة، وكأن الجريمة تصبح “عذرًا صحيًا” لا ذنبًا يستحق العقاب.
نصيحة أخيرة:
تعاملوا مع السلوك كما هو، لا كما تتمنون تفسيره. لا تُسقطوا التشخيصات على من لا يستحقها، ولا تنسوا أن العدل يبدأ من تسمية الأمور بأسمائها الصحيحة.