في عالم السياسة، تبرز أحيانًا ظواهر غريبة تتحدى المألوف، ومنها ظاهرة “الوزير غير المقيم”. هذا الوصف، الذي قد يحمل طابعًا مجازيًا أو حتى فيزيائيًا، يعكس حالة غياب واضحة لبعض الوزراء عن الميدان، وكأن مهمتهم تُدار عن بُعد أو اتباعاً لمنهج “سكن تسلم” دون حضور فعلي. هذا الغياب، اتقنه وزير خدماتي عابر لحكومتين، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام هؤلاء الوزراء بمسؤولياتهم، بل ويجعل من مناصبهم تبدو فخرية أكثر منها تنفيذية.
في الممارسة والضرورة الدبلوماسية، نسمع عن “سفير غير مقيم”، وهو تقليد معترف به دوليًا، لكن “وزير غير مقيم” يبدو وكأنه ابتكار محلي لم يرد في سير الأولين ولا اللاحقين. يتندر البعض على وجود هذا الوزير في مكتبه، وكأن ظهوره يحدث بمحض الصدفة، حيث عُرف وجوده المستمر في صالة “الكروان” أكثر من وجوده في الميدان إلا في زيارات خاطفة لإسقاط الفرض، ربما لتحسين صورته قبيل تعديل حكومي مرتقب متناسياً أنها فرض عين.
هذا السلوك دفع كتابًا ومحللين إلى التساؤل عن عدد سفراته خارج البلاد، ومدة إقامته بعيدًا عن الوطن، وهل هي فعلاً مبررة أم مجرد هروب من المسؤولية؟ لماذا يخشى الإعلام وصوت المجتمع المدني، أم يعتبرهم حالة مزعجة لبيان تقصيره في اداء الواجب والالتزام بالقسم.
هذا الواقع استدعى تدخلاً رسميًا، حيث جاء قرار دولة الرئيس بتحديد مدة غياب الوزراء خارج البلاد، لضبطٍ حاسم لهذه السلوكيات غير المبررة. فالوزير، بطبيعة منصبه، يُفترض أن يكون في قلب العمل الميداني، يتابع التحديات، ويشارك في صياغة الحلول، الحريص على فتح الأبواب لجميع الشركاء، وأقلها نحفظ ملامحه ويحفظ ملامح الوطن وملحته.
إن غياب الوزير ليس مجرد تقصير إداري، بل خسارة لثقة المواطن في المؤسسات. فهل يكفي قرار تنظيمي لإعادة الوزير إلى ميدان مسؤولياته، أم أن الأمر يتطلب إعادة تقييم لمعايير اختيار القيادات الوزارية.