التعليم الدامج… رؤية وزارة التربية والتعليم نحو مستقبل منصف للجميع
بقلم: الدكتورة بسمة عزبي فريحات
يُعَدّ التعليم الدامج اليوم أحد أهم الركائز التربوية التي تبنّتها وزارة التربية والتعليم في الأردن، إذ ينطلق من إيمان راسخ بأن لكل طفل الحق في التعلم والمشاركة دون تمييز. فالاختلاف في القدرات ليس عائقًا أمام التحصيل، بل هو مصدر ثراء يغني العملية التعليمية ويجعلها أكثر عدالة وإنصافًا. إن هذا التوجه لم يأتِ بوصفه سياسة إدارية عابرة، بل باعتباره رؤية وطنية شاملة تهدف إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية وتعزيز قيم المواطنة والانتماء. وقد أدركت الوزارة أن المدرسة لا تكون بيئة حقيقية للتعلم والنمو إلا إذا فتحت أبوابها للجميع، ليشعر كل طالب أن له مكانًا ودورًا في مسيرة الوطن.
التعليم الدامج في جوهره قيمة إنسانية رفيعة، تقوم على الاعتراف بكرامة الإنسان واحترام حقه الطبيعي في التعلم. ومن هذا المنطلق، عملت وزارة التربية والتعليم على تعزيز هذه القيمة من خلال مبادرات وطنية ومشاريع تطويرية، شملت تحسين المناهج، وتوفير الوسائل التعليمية المساندة، وإطلاق برامج توعوية تستهدف الطلبة وأسرهم والمجتمع المحلي. وبهذه الجهود أصبح التعليم الدامج وسيلة لترسيخ فلسفة العدالة التعليمية، حيث يحصل جميع الطلبة على فرص متكافئة للنمو، ويُتاح لهم المجال للتعبير عن قدراتهم على اختلافها.
إن الأثر المجتمعي للتعليم الدامج كبير وعميق، فهو لا يقتصر على حدود المدرسة، بل يمتد ليشكل رافعة لبناء مجتمع متماسك. فعندما يجلس الأطفال جنبًا إلى جنب، تتلاشى الحواجز بينهم، ويترسخ الوعي بأن التنوع مصدر قوة وفرصة للتعلم، لا سببًا للانقسام أو التفرقة. كما يعزز هذا النهج قيم التضامن والإيثار، ويغرس في نفوس الناشئة مبادئ التعاون والتكافل، وهو ما ينعكس إيجابًا على سلوكياتهم ويهيئهم ليكونوا أفرادًا فاعلين في مجتمع يسوده التقبل والإنصاف.
وقد انعكست هذه الرؤية الوطنية على واقع الطلبة بشكل ملموس؛ فالطلبة من ذوي الإعاقة وجدوا في التعليم الدامج بيئة منصفة ساعدتهم على اكتساب المهارات والاندماج بثقة، بينما تعلّم أقرانهم قيم المساندة والإيثار واكتسبوا خبرات حياتية قائمة على الصبر والتعاون. أما الجميع معًا فقد خاضوا تجربة تعليمية شاملة تحاكي الواقع، وأهلتهم ليكونوا مواطنين قادرين على العطاء والمشاركة في بناء مجتمع متنوع. وهكذا فإن التعليم الدامج لا يحقق العدالة التعليمية فحسب، بل يصنع إنسانًا قادرًا على مواجهة تحديات الحياة بعزيمة وانفتاح.
وتدرك وزارة التربية والتعليم أن نجاح التعليم الدامج يحتاج إلى شراكة واسعة مع الأسرة والمجتمع المحلي، فهما الداعمان الأساسيان لمسيرة التعلم. ومن هذا المنطلق، حرصت الوزارة على إشراك أولياء الأمور في خطط التعليم الدامج من خلال برامج توعوية وإرشادية، كما عملت على تعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، إدراكًا منها أن نجاح هذه الفلسفة مسؤولية جماعية تتكامل فيها الأدوار. إن إشراك البيت والمجتمع في هذه المسيرة يعزز من استمرارية الدمج، ويجعل من المدرسة بيئة حقيقية للتعلم والنمو المشترك.
إن التعليم الدامج في الأردن يعكس انسجامًا واضحًا مع رؤية التحديث التربوي ومع التزامات الدولة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وهو استثمار طويل المدى يهدف إلى إعداد جيل واعٍ ومنصف، قادر على المساهمة في التنمية الوطنية وصناعة المستقبل. وقد جاءت جهود وزارة التربية والتعليم لتؤكد أن الاستثمار في الإنسان يبدأ من توفير بيئة تعليمية عادلة تحتضن جميع أبنائنا وتمنحهم فرصًا متكافئة للنمو والإبداع.
لقد تجلت نتائج هذا التوجه في تعزيز ثقة الطلبة بأنفسهم، وترسيخ قيم التقبّل بينهم، وبناء قناعة مجتمعية راسخة بأن الاختلاف لا يصنع الفجوة، بل يثري التجربة ويعمّق الفهم. وهكذا أصبح التعليم الدامج علامة مضيئة في مسيرة التربية الأردنية، ورسالة وطنية وإنسانية تؤكد أن التعليم حق للجميع دون استثناء.
إن التعليم الدامج، كما ترعاه وزارة التربية والتعليم، ليس خيارًا إضافيًا أو مسارًا ثانويًا، بل هو ضرورة وطنية وإنسانية تفرضها قيم العدالة والإنصاف. فهو الطريق لترسيخ قناعة مفادها أن جميع الطلبة قادرون على النجاح إذا وُفِّرت لهم البيئة المناسبة، وأن بناء المستقبل يبدأ من صفوف دراسية تحتضن الاختلاف وتحوّله إلى طاقة إيجابية تدفع نحو الإبداع والعطاء. فالاختلاف في القدرات هو ما يجعل من التعليم الدامج بيئة حقيقية للتعلم والنمو، ومن خلاله نتعلم كيف ندعم ونكمل بعضنا بعضًا، ونصنع معًا مجتمعًا أكثر وعيًا وعدلًا وتماسكًا.
#بدون_فرق_بنعمل_فرق
#التعليم_الدامج_للجميع
#وزارة_التربية_والتعليم
#التعليم_الدامج_في_الأردن
مدير التربية والتعليم للواء الأغوار الشمالية